13 سبتمبر 2025

تسجيل

أمانة التأريخ.. وتأريخ الأمانة

16 يناير 2019

التأريخ، لأي موضوع أو شخصية أو حدث، يجب أن يكون ملتزمًا بأخلاقيات التأريخ، حتى نضمن الحقَّ والعدلَ وعدم الانحياز فيما نقوم به من تأريخ. ومن هذه الأخلاقيات: الأمانة والموضوعية: فالمؤرخ للظاهرة أو الشخصية أو الحدث يجب أن يكون أميناً في المقام الأول، وصاحب ضمير، ولا يُدخل أهوءهُ الشخصية واتجاهاته الخاصة في عملية التأريخ. ويرتبط عنصر الأمانة بالنزاهة واستواء العقل، حتى يكون التأريخ موضوعيًا، غير منحاز، وغير مشوهٍ للحقائق. وبناءً على ذلك، يجب أن يُحسن اختيار من يقوم بعملية التأريخ، لأية ظاهرة، حتى وإن كان قريبًا من الحدث أو الموضوع محل التأريخ. الدقة: يحتاج التأريخ لأي موضوع أو شخصية أو حدث، كي يكون التأريخ مُثبتًا، وذا دلالة صادقة على الحدث أو الشخصية أوالموضوع!. وتتطلب الدقة عمل استبيانات رقمية وموضوعية، تكون مرجعية لعملية التأريخ، إذ أن الاعتماد على الذاكرة، وهي ليست دقيقة في الأغلب، وقد تُمحى هذه الذاكرة مع الوقت وتقدم سن المؤرخ، أمر غير حميد، وقد يؤدي إلى كوارث، خصوصًا ما يتعلق بالرموز السياسية والأدبية والفنية. والدقة تدخل في عملية المراجعة المتأنية، لأي مشروع يُراد التأريخ له، لأنه يترتب على الخطأ، في هذه الحالة، نتائج لا يمكن محوها من الذاكرة، خصوصاً إن توثَّقت في كتاب، وقد تصل نتائج هذا التأريخ إلى القضاء. ومن وسائل الدقة أيضًا، السؤال، سؤال من عاصروا المرحلة التي يتم التأريخ لها، ليس فقط الموظفين الرسميين، الذين قد يكونون شغلوا مناصب بعيدة عن شمولية التأريخ، كأن يكون أحدهم في قسم الموظفين ولا يعرف، ولم يشهد النشاطات التي تحدث في قسم آخر من أقسام نشاطات المؤسسة. وجود الخلفية التاريخية لدى القائم على التأريخ، حتى يضمن الأمانة والموضوعية، وأن يكون مرجعًا أميناً وحكَماَ عادلاً، فيما لو حصل اختلاف بين أعضاء اللجنة المناط بها التأريخ، لأي موضوع أو أية شخصية أو أي حدث. وتتضمن هذه الخلفية ملاءمة سن القائم على التأريخ للفترة التي تُحاكيها الأحداث والشخصيات والمواضيع، إذ ليس من المعقول أن يؤرخ أحدهم لفترة ما قبل الستين وهو لم يتعدَّ الخامسة والثلاثين؟! ونحن نلاحظ في صحفنا من يقوم بالتأريخ لفترة سبقت عُمره بخمسين عامًا، ويُفتي في تلك المرحلة، دون حق ودون موضوعية ودون دقة. ذلك أن هذا الشخص،وإن توافرت لديه المراجع، أو لجأ إلى الإنترنت – التي تكون غير دقيقة مائة بالمائة – فإن تأريخهُ للمرحلة قد تشوبها روحُ الممالأة أو المُحاباة، خصوصًا إن مسَّ التأريخ أحدَ أقربائه أو أجداده. كما أن رجاحة العقل لا تتأتى لشابٍ غضٍّ، لم يقرأ كثيرًا، ولم تصقله تجارب الحياة. وقبل ايام صدر مطبوعٌ يؤرخُ لفترة مهمة من تاريخ الإعلام القطري، كان بودّي لو ذكرَ بعضاً من الأحداث والشخصيات التي كان لها دور مُهم في بدايات الإعلام الرسمي في دولة قطر، ضمن مفاهيم الأمانة والموضوعية والدقة!؟ وقد هضمَ ذاك المطبوع حقوقَ بعض المتعاملين مع إذاعة قطر في بداية انطلاقتها. ولا يتسع المجال لحصر الأسماء التي تعاونت مع إذاعة قطر منذ بدايتها، ولاسيما في مجالي التأليف الدرامي والتمثيل، والذي شهد، بعضُ أعضاء اللجنة، التي أشرفت على وضع الكتاب، على تلك النشاطات. وهذا يُشوّهُ التأريخ الموضوعي، ويتجاهلُ حقوقَ الشباب الذين ساهموا في انطلاقة الإذاعة، سواء كانوا كتّابَ دراما، أم ممثلين، أم موسيقيين، وعلى ذِكر الموسيقى، كان يجب تكريمُ جميعِ أعضاء فرقة الأضواء (موسيقيين ومسرحيين)، لأن هذه الفرقة أثرَت الدراما والموسيقى في إذاعة قطر. وكان جلّ الممثلين وكُتَاب الدراما جاؤوا من هذه الفرقة، ناهيك عن الأصوات الغنائية التي صاحبتها فرقةُ الأضواء منذ انطلاقة الإذاعة. ولو كان الأمر بيدي، لأمرتُ بتكريم جميع منسوبي فرقة الأضواء، في تلك المناسبة، وهذا حقهم، ولا منّة لأحدٍ عليهم في ذلك. فلقد شهدت استديوهات إذاعة قطر نشاطاً مكثفاً مع انطلاقة الإذاعة عام 1968، وكانت الدراما الإذاعية تنطلق من فرقة الأضواء، نصًا وتمثيلاً، وشاركَ بعض الأخوة العرب – الذين أشار إليهم الكتاب المذكور- في إخراج تلك المسلسلات ذات الثلاثين حلقة، والأربع عشرة حلقة، والسباعيات، والتمثيليات الطويلة. وأذكر أن المرحوم اسماعيل عبدالرحمن، كان قد كتب مسلسلَ (عائلة بوطحنون)، وهو من اوائل المسلسلات الاجتماعية الجماهيرية، وكان يُذاع في رمضان، وله جمهور كبير، منذ عام 1968 و1969، وأَكملَ بعضُ كتّاب الدراما هذا المسلسل لثلاث سنوات متتالية، وهو من ثلاثين حلقة. وكانت تُبث في شهر رمضان. كما شهدت تلك المرحلة تأليف وإخراج مسلسلات ناجحة، لا أودُّ الخوض فيها، ويُمكن لمسؤولي الإذاعة العودة إلى الأرشيف والتيقُّن من دقّة هذا الكلام!؟؟ الموضوع الآخر الذي له علاقة بأمانة التأريخ وتأريخ الأمانة، هو دعوة بعض الإعلاميين لوضع شهاداتهم في الكتاب المذكور. وللأسف، جانبَ الكتابُ الأمانةَ والموضوعيةَ في هذه الجزئية، حيث تمت دعوةُ مَن كان صغيرًا عند افتتاح إذاعة قطر، ولم يدخل الإذاعة إلا بعد سنوات عديدة من انطلاقتها، كي يكتب عن تاريخ الإذاعة!؟ بالله عليكم، أليس هذا خروجاً عن تقاليد التأريخ، في الوقت الذي لم تتم دعوة من عاصروا انطلاقة الإذاعة وأثرَوا برامجَها، ليس على أنهم ضيوف في برنامج، بل كانوا يشاركون في تقديم البرامج!؟ من الوفاء إرجاعُ الحق لأهله، وعدم المجاملة في موضوع التأريخ، على اعتبار أن (المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة)، كما ينص على ذلك الدستور، وما قامت به لجنة تأليف وإعداد حفل الذكرى الخمسين لإذاعة قطر، خالفَ المادة رقم 34 من (الباب الثالث) من الدستور. إذ أن دعوة مَن عاصرَ فترة انطلاقة الإذاعة، ويحفظ ذكريات كثيرة عنها، هو من يجب دعوته لتقديم شهادته في ذلك، لأنه الأقدر والأكثر مصداقية. نقول هذا الكلام من حرصنا على أن تكون مشاريعنا في حفظ الذاكرة والتاريخ نقية من الأخطاء والنسيان، مع تقديرنا للجهد الذي بُذل في إعداد الكتاب المذكور. هذه الحادثة قد تكون ناقوسًا لصاحب القرار، يُمكن الاعتبار بها، عند التصدي لأي مشروع تأريخيٍ في وطننا العزيز. لأننا بعد أقل من عامين، سوف نحتفل بالذكرى الخمسين لانطلاقة تلفزيون قطر، ولا بُدَّ من الإعداد الجيد لهذه المناسبة، وتشكيل لجنةٍ ذات موثوقية للإعداد للاحتفال، أو الإعداد للكتاب، الذي نأمل أن يكون موضوعيًا وأميناً، ويُنصفُ جميعَ العاملين في تلفزيون قطر، وأن تكون اللجنة المُناط بها الاحتفالية من العاملين الأوائل – غير الطارئين – الذين لم يشهدوا تطورات التلفزيون، ولم يحضروا قفزاته في السبعينيات والثمانينيات، ومِمن قدّموا خدمات جليلة وجليّة للمجتمع القطري، ومِمَن يَعرفون تاريخ التلفزيون، والمحطات التي مرّ بها. إننا مع الحق والعدل، ولا نرضى ولا المجتمع يرضى، أن يتم هضمُ حقِّ أي إنسان له وجود ضمن مسيرة التأريخ في بلدنا العزيز، بل لا يرضى أيُّ عاقل أن يتم تجاهلُ شخصياتٍ كان لها دور – في أي مجال من المجالات – ولها الحق في أن تُوثّق أعمالُها وأدوارُها، وتلك أمانة، يجب ألا نسمح لبعض ( مَن لا يرون إلا أنفسهم في الإطار) أن يعبثوا بها!.