30 سبتمبر 2025
تسجيلجاء الشتاء، برياحه العاتية، وأمطاره الغزيرة، وثلوجه الباردة ليكشف عن مدى تقصير الأمة بحق جزء أصيل منها ألا وهو الشعب السوري، الذي يواجه أعتى الأنظمة ديكتاتورية.وجد السوريون النازحون واللاجئون المشردون في الفيافي والقفار، والموزعون على دول الجوار (الأردن، لبنان، تركيا، العراق) أنفسهم أمام مأساة تضاف إلى مأساتهم، ومعاناة فوق معاناتهم، في مواجهة موت آخر، يتربص بهم من كل حدب وصوب، بعد أن تطايرت الخيام، وغرقت المخيمات في الأمطار والوحول، وغطّتها الثلوج، وتفشت فيها الأمراض، وقضى من قضى منهم من الأطفال والشيوخ بردا وكمدا.تتداعى عدة حكومات، وتهرع مجموعات من المؤسسات الإنسانية، ويبسط كثير من المحسنين الخيّرين يد البذل والعطاء، في لحظة الاستماع إلى نداء الاستغاثة المؤلم، والمشاهد التي تقطّع نياط القلوب، والتي وثّقتها عدسات المصورين، وعرضتها شاشات الفضائيات عبر عدة أيام.. لاشك أن كل من تعاطف ودعم توجّه له التحية والشكر الجزيل، ولكن هل السؤال الذي يطرح نفسه: ألم يكن متوقعا أن يحدث ما حدث، بصرف النظر عن حجم ما خلّفه من أضرار ومآس، طالما أن هناك فصل اسمه شتاء، يأتي كل عام ويحل ضيفا على ربوعنا وديارنا، وهل كان على الجميع ـ أو أغلب من تحرك ـ ألا يتحركوا إلا بعد وقوع "الفأس في الرأس"، وحدوث هذه التراجيديا المحزنة، ووقوع عدد من المشردين فرائس للموت والأمراض.وكالعادة يكون تفاعلنا ـ نحن العرب والمسلمين ـ لحظيا وانفعاليا، نتحرك على وقع الآلام والاستغاثات، وقت حدوثها فقط، لا نتحرك قبلها لتفاديها، وتبرد هممنا وعزائمنا في ملاحقة آثارها، إلا ما رحم الله.لعل ما حدث ويتواصل حدوثه إلى اليوم يطرح السؤال الأهم ألا وهو: ما الذي ينبغي على أخوة الدم والنسب والدين والإنسانية، فعله لإنقاذ الشعب السوري الذي يتعرض لطاحونة الموت والمعاناة منذ عامين، وكيف السبيل للتخفيف من معاناته ووقف شلال الموت ونزيف الجراح والمحنة، وكيف مساعدته في توفير حلول جدية حاسمة له بدلا من تقديم المسكّنات له، والتي لا تقضي على جذر المشكلة، أو توجد علاجا جذريا لهذا المرض المؤلم الممضّ.لعل أهم ما يتوجب على الأمة والعالم بأسره تجاه الشعب السوري، يتلخص في تخليصه من هذا النظام المجرم والطاغية الذي يتربع على رأس هرمه، ووضع حد لمجازره الوحشية، وحمام الدم الذي يحصد أرواح الناس صباح مساء، بدلا من الصمت عن جرائمه أو مقابلتها باللامبالاة، والاكتفاء بالتنديد وشجب ما يقوم به، أو التلويح لنظامه بعقوبات لا تؤثر فيه بنيته أو تقوم حقاً بردعه، ولعل من أهم هذه الأمور ما يلي:ـ سرعة توصل الولايات المتحدة مع روسيا إلى حل، بحيث يجبر الأسد على التنحي سلميا والرحيل فورا، أو مواجهة العقوبات الكفيلة بإسقاطه بالقوة، ومعلوم أن المحادثات بين الجانبين بناء على اتفاق جنيف لا تزال تراوح مكانها، دون اتفاق يلوح في الأفق، والاختلاف لا يزال في أن يكون الأسد جزءا من الحل أو لا يكون.ـ اتخاذ الغرب لقرار بمعزل عن مجلس الأمن فيما لو أصرت روسيا على تصلبها، يكون مشابها لما حدث في البوسنة، بحيث يضمن تنحي الأسد طواعية أو مواجهة مصير كل الطغاة الذين يركبون رؤوسهم تكبرا وعنادا، ومحاكمته محاكمة عادلة أمام المحاكم الدولية.ـ سرعة تسليح الجيش الحر وتزويده بمعدات وذخائر نوعية، أو عدم منع الدول الراغبة من القيام بذلك، وهو حل منطقي لا يكلف العالم الكثير، وهو المفضل لدى الثوار السوريين، باعتباره ينأى ببلادهم عن تدخل خارجي، طالما أن الأسد يصرّ على التشبث بالكرسي، ويرفض الاستجابة للإرادة الشعبية في ضرورة تنحيه. ومعلوم أن الدول الكبرى تحظر على دول عربية وإقليمية تقديم هذه الأسلحة للثوار حتى الآن، تحت حجج وذرائع مختلفة، بينما تغضّ الطرف عن مثل المساعدات العسكرية التي تقدمها روسيا وإيران للنظام السوري.ـ إرسال قوات لحفظ الأمن إلى سوريا، طالما أن المساعي الدبلوماسية في حل الأزمة، فشلت أو تكاد، وهذا موقف تتبناه دولة قطر، ودول أخرى، وقد أعلن عنه رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني مؤخرا، وقد حدد المسؤول القطري مهمة هذه القوات تحديدا بـ "حفظ الأمن"، دون أن يكون الأمر متعلقا بـ " تدخل عسكري أي مناصرة طرف على طرف"، منوهاً بأن "العرب قادرون - من خلال هذه القوات- على وقف حمام الدم في سوريا ".ـ وإلى جانب ما سبق لا بد من دعم صمود الشعب السوري إنسانيا ومعنويا على أرضه، في مواجهة هذا الطاغية، بحيث تشمل هذه المساعدات الإنسانية طالما استمرت هذه الظروف الاستثنائية تقديم الغذاء والكساء والدواء والمأوى، واحترام كرامته الإنسانية، على اعتبار أنه شعب عزيز، معروف بنشاطه واعتماده على نفسه في الأحوال العادية، وتعزيز خدمات الإدارة المحلية والمدنية الشعبية، المتصلة بفضّ الخلافات والإصلاح بين الناس، وتنظيم المرور، وخدمات النظافة، والسهر على حماية ممتلكات الناس، وغيرها.هذه هي معالم طريق مساعدة الشعب السوري إذا كان الأقربون أو الأبعدون يرغبون في تخليصه من معاناته الإنسانية والنفسية الكبيرة، وإلا فعليهم أن يلوذوا بالصمت وإلى الأبد، بعيدا عن المسكّنات اللحظية والجعجعة الكلامية.