12 سبتمبر 2025

تسجيل

الدروس المهمة من أحداث الأمة (9)

16 يناير 2013

دعوة إلى أول رئيس منتخب لأرض الكنانة وأم الدنيا في الوقت الذي يُمكِّن  الله تعالى فيه لبعض عباده في الأرض فيضعهم في موقع الصدارة، وفي أعناقهم أمانة إدارة شؤون البلاد والعباد يَجِبُ عَلَيْهِمُ التَّصَرُّفُ بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ لِلْمُسْلِمِينَ - وغيرهم من أبناء الوطن ورعايا الدولة، كُلٌّ فِي مَجَالِهِ وَبِحَسَبِ سُلْطَتِهِ. وَفِي ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ" التَّصَرُّفُ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ " وهذا التصرف أو قل يناط بولي الأمر – الحاكم أيا ما كان لقبه – رئيسا أو أميرا أو ملكا أو خليفة – وظائف منها ما هو ديني ومنها ما هو سياسي وهذه إشارات إلى كل منهما في الوظائف دينية ويتمثل ذلك في أمور أربعة أحدها- حفظ الدّين على أصوله المستقرّة [ الكتاب والسنة الصحيحة]، وما أجمع عليه سلف الأمّة]، وإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه، أوضح له الحجّة، وبيّن له الصّواب، حتى تتأخر شبهته افتضاحا، ويتقدم الحق اتضاحا، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود ليكون الدّين محروسا من الخلل، والأمّة ممنوعة من الزّلل. فالْملك بِالدّينِ يبْقى، وَالدّين بِالْملكِ يقوى.كما قال ابن المعتز  . وقد قال تعالى في بيان وظائف من يَصِلون إلى  الحكم :"الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ "، وما هلك وأهلك من وصلوا قبل إلى الحكم عبر القرون الخوالي إلا بسبب إخلالهم بهذه الوظائف التي كلفهم الله تعالى إياها قال تعالى:" أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ " وقال  جل مذكورا وعز مرادا "وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون والمستقريئ لآيات الكتاب العزيز يلحظ الاقتران الدقيق بين الدين والسلطان، بين الحق والقوة، بين المصحف والسيف، قال تعالى:" لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ " وقيمة التلازم بين هذين الأمرين في غاية الأهمية فالحق بغير القوة ضائع، والقوة بغير الحق ظلم وبغي ؛قَالَ بعض القدماء الدّين وَالسُّلْطَان توأمان وَقيل الدّين أس وَالسُّلْطَان حارس فَمَا لَا أس لَهُ فمهدوم وَمَا لَا حارس لَهُ فضائع، السلطان زمام الأمور، ونظام الحقوق، وقوام الحدود والقطب الذي عليه مدار الدين و الدنيا. وهو حمى الله في بلاده وظلّه الممدود على عباده، به يمتنع حريمهم، وينتصر مظلومهم، وينقمع ظالمهم، ويأمن خائفهم. ثانيا:- جِهَادُ مَنْ عَانَدَ الإِْسْلاَمَ بَعْدَ الدَّعْوَةِ حَتَّى يُسْلِمَ، أَوْ يَدْخُل فِي الذِّمَّةِ.ليقام بحقّ الله تعالى في إظهاره على الدّين كلّه. وهذا مشروط بوجود قوة للمسلمين ووجود عدوان على دعاة الإسلام أو بلاده. قال تعالى: " قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ " "قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " وقال تعالى:" قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً". وقال تعالى عن مدافعة أعداء الأمة في الداخل والخارج "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" ثالثًا:- جباية الفيء والصّدقات  على ما أوجبه الشرع نصّا واجتهادا من غير حيف ولا عسف. والمقصود بالفيء والغنائم: الأموال التي تصل إلى المسلمين من المشركين أو كانوا سبب وصولها. وهاك نصوص تذكر بعض مصادر بيت مال المسلمين،أو قل مصادر الميزانية العامة قال تعالى:"وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ* لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ*وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ". وقال تعالى :" وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير". وأما الصدقات فهي الأموال الواجبة على المسلمين نصاً كالزكاة، واجتهاداً كالأموال المفروضة على الأغنياء إذا خلا بيت المال، واحتاجت الدولة لتجهيز الجيش ونحوه من المصالح العامة  وقال تعالى:"خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ولهذا من أمارات الرشد، وقرائن الحكمة في الحكم، في – قطر -  وجود "صندوق الزكاة " تلك الهيئة الرسمية القائمة على تلقي الزكاة من أصحابها، وتوزيعها على المستحقين لها من الأسر المتعففة في داخل الدولة وخارجها، فكم سدت من رمق، وكم روت من ظمأ، وكم داوت من جراح، وجبرت من كسر، وسدَّت من خلة، وما أكثر مشاريع الخير التي كان وراء هذا الصندوق،- جزى الله القائمين عليه كل خير – تأسيسا وتوظيفا وأداء – ولعل دولا أسلامية أخري – ولا سيما دول الربيع العربي وفى مقدمتها أم الدنيا أرض الكنانة - تحذو حذوها ويكون ثمة الإحصاء الدقيق للأغنياء والموسرين يحصيهم ديوان، وفي المقابل ديوان آخر يحصر الفقراء ـ تنظيما أكثر دقة وشمولا حتى يغنى الفقير، ويكسى العاري، وهذا من أوجب واجبات أولياء الأمور في عالمنا الإسلامي، أولم يعلنها الصديق حربا مدويا على من منعوا الزكاة، وقال قولته الشهيرة والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه، وقفة كان لها ما بعدها، فاستقام الناس، ودامت دولة الإسلام . وبالمناسبة هذه دعوة إلى أول رئيس منتخب لمصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ألفين وأحد عشر أن يعمل على إنشاء هذا الصندوق الذي يتداعى له المصريون – بل وغير المصريين من مسلمي العالم - في الداخل والخارج ويتواصون فيما بينهم بحصر وتقديم زكاة أموالهم وأوقافهم إلى هذا الصندوق بإشراف هيئة متوضئة طاهرة مشهود لها بالكفاءة والأمانة ’من علماء الأمة وذوي الكفاءة والخبرة الاقتصادية حتى لا تتكرر الأزمة المالية الحالية. رابعاً ـ القيام على شعائر الدين من أذان وإقامة صلاة الجمعة والجماعة والأعياد، وصيام، وحج، فبالنسبة للصلاة يعين الخليفة – الرئيس أو الأمير أيا ما كان مسماه - الإمام والمؤذن، ويصون المساجد ويرعاها، ويؤم الناس في الصلاة الجامعة إذا حضر، ويشرف على توقيت الصيام بدءاً ونهاية، ويعاقب من يعلن الإفطار دون عذر مقبول، وييسر أداء فريضة الحج بتعيين ولاة للسهر على أداء هذا الواجب، والولاية على الحج لتسيير الحجيج وإقامتهم   قِتَال أَهْل الْبَغْيِ وَالْمُحَارِبِينَ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَتَوْقِيعُ الْمُعَاهَدَاتِ وَعُقُودِ الذِّمَّةِ وَالْهُدْنَةِ وَالْجِزْيَةِ. هذا والله وحده ولي التوفيق وللحديث بقية بحول الله وقوته، ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل. هوامش: اللطائف والظرائف (ص: 28) الحج41 الأنعام:6 الأحقاف:26 الحديد:25 العقد الفريد (1/ 9): التوبة:29 التوبة:123 الفتح:16 التوبة:73+التحريم:9 ذكر الماوردي: ص 121 في المرجع السابق فروقاً أربعة بين أموال الفيء والغنائم وبين الصدقات: أحدها ـ أن الصدقات مأخوذة من المسلمين تطهيراً لهم، والفيء والغنيمة مأخوذان من الكفار انتقاماً منهم. والثاني ـ أن مصرف الصدقات منصوص عليه في القرآن ليس فيه اجتهاد. والفيء والغنيمة يصرفان بحسب اجتهاد الأئمة. والثالث ـ أن أموال الصدقات يجوز أن ينفرد أصحابها بقسمتها في أهلها، ولا يجوز ذلك لأهل الفيء والغنيمة. والرابع ـ اختلاف المصرف: فالصدقات تصرف للأصناف الثمانية في القرآن. والأموال الأخرى تصرف في سبيل المصالح العامة. ويلاحظ أن الفيء: هو كل مال وصل من المشركين عفواً من غير قتال. والغنيمة: ما وصل إلينا من أموال المشركين عنوة وبقتال. الحشر:6-10 الأنفال:41 الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (8/ 6186) التوبة:103 الأحكام السلطانية: ص 96، 103. الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 11، 12، 13 وما بعدها، والأحكام السلطانية للماوردي ص 15، 16، 30، 35 وما بعدها، ورد المحتار على الدر المختار 3 / 158، 212، 218، 311 وما بعدها، جواهر الإكليل 1 / 269، 2 / 286، وشرح المنهاج 4 / 171، 217، والمغني لابن قدامة 2 / 252، 361، 347 و 8 / 287