14 سبتمبر 2025
تسجيلأطلق الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي قصيدته إرادة الحياة في الثلاثينيات من القرن الماضي بقوله: إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر والمفارقة الغريبة أن من أودع أول وأقوى بيتين من هذه القصيدة وأدرجها في خاتمة نشيد تونس الوطني الرسمي هو الرئيس الهارب بأمر الشعب (زين العابدين بن علي) حيث أصبح مقطع أبي القاسم الشابي في عهده ضمن الفقرة الرئيسية "المصغرة" التي تغنى في المناسبات الوطنية ومباريات كرة القدم والتتويجات العالمية، والتي يرددها التونسيون في النشيد ربما دون وعي ولكن ترديدا خامر الوعي الفكري والجمعي وأنتج الثورة فانقلب السحر على الساحر. حُماة الحمى يا حُماة الحمـى هلُمّوا هلُمّوا لمجـــد الزمــن لقد صرخت في عُروقنا الدمـا نمـوت نموت ويحيـا الوطــن إذا الشعبُ يوما أراد الحيـاة فلا بُدّ أن يستجيـب القـدر ولا بــدّ للّيـل أن ينجلـي ولا بُدّ للقيـد أن ينكسـر حُماة الحمي يا حُماة الحمـى هلُمّوا هلُمّوا لمجد الزمــن لقد صرخت في عُروقنا الدما نموت نموت ويحيـا الوطن كنا نعتقد أن رائعة "الشابي" من روائع الشعر العربي التي زود بها منهج اللغة العربية مبكرا حتى حفظناها صغارا ولم تنفك عن ذاكرتنا كبارا.. يوم أن كان منهج اللغة والأدب والشعر في قطر منهجا يعتد به شعرا وأدبا رصينا ونفائس وذخائر فكرية نتباهى بها هي وما شاكلها من: سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيض العدا كنا نظن أن الشعوب قد ماتت وولت إرادتها، وبتنا وغيرنا ننعى على الشعوب العربية قاطبة مرارة الذل والهوان، كنا نعتقد أن هذه الرائعة الشعرية الحماسية التي مضى على مولد قائلها قرن كامل — والذي مات شابا في الثلاثينيات من القرن الماضي — ظلت كعادة قصائد بني يعرب الحماسية حبيسة الكتب ومن ثم أبواق الاسطوانات الغنائية للمناسبات الحكومية والجماهيرية الاحتفالية خصوصا ان قصيدة الشاعر التونسي الشابي ملهمة للنخوة العربية غنتها كل من ماجدة الرومي، ولطيفة التونسية، والمغنية هدى ولا نعلم إذا غناها الرجال مثلما تغنت بها المغنيات النساء، حتى غدت «أسطوانة» نسمعها في محافل المهرجانات لتشد من عزم الشعوب المغلوبة وعزيمتها المسلوبة دون أن تلامس شغاف وطنيتهم وإرادتهم الحرة خصوصا لدى أعتى الدكتاتوريات الصرفة والحكومات الممالئة علمنة وطمسا. عاد أملنا في صحوة الشعوب ومطالبها وعادت ثقتنا في أثر الحكمة على العقول والأفعال، عادت ثقتنا في قصائد وثقافة عربية تشبعها طلاب العرب صغارا وتشبعها أهل تونس نشيدا وطنيا يرددونه في كل مناسبة فجادت بهم، فلم تعد الدعوات والشعر والحكمة مجرد شعارات أو حكم أو بيانات.. يستدر بها الخطباء تصفيق الجماهير المستغفلة، يوم أن قدم الشعب التونسي وهم ورثة الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي: من قصيدة «إرادة الحياة» درسا عمليا على إرادة الشعوب في إسقاط الظلم والطغيان — والتي كان للإعلام الحر المباشر على وجه الخصوص أيضا دور كبير وملموس في إذكاء فتيلها وإشعال جذوتها وتأجيج مسيرتها الشعبية، الإعلام الذي ساهم في نقل الصورة أولا بأول يوم أن حاولت الحكومة الدكتاتورية التعتيم على كل مصادر المعلومات حتى الالكترونية منها في تعدٍ على حق الشعوب في الحصول على المعلومة وكشف الحقائق. ربما تكون الثورة التونسية — وان تأخرت — بداية لتاريخ عربي نضالي جديد وملهمة لغيرها من الثورات الشعبية ضد الظلم والدكتاتوريات المتجمهرة في التوريث أو المستبدة في الحكم السيادي. وصدق الشابي: وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَاةِ تَبَخَّرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَر وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَـدَرْ أراد الشعب.. فاستجاب القدر. كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam medad_alqalam @ yahoo.com