20 سبتمبر 2025

تسجيل

حُكم التاريخ والجغرافيا

15 ديسمبر 2021

يصعب على الاستثناء أن يصبح قاعدة عندما تكون هذه القاعدة مشبعة بثقل التاريخ، بحيث يصبح من المستحيل تجاوزها أو الالتفاف عليها، يصعب عليه أن يصبح قاعدة عندما تبدو الجغرافيا من الثبات بحيث يصبح إغفالها نوعاً من العمى في العين وفي البصيرة. العلاقة بين قطر والسعودية علاقة جسم بشرايينه، إنه نهر من الدم الواحد يتدفق من شواطى البحر الأحمر عابراً صفرة الرمال ليصب في زرقة مياه الخليج الدافئة، لم ولن تستطيع السياسة مهما كانت توجهاتها وتقلباتها أن تغير من ذلك شيئاً، فهي علاقة خارجة عن جميع التنظيرات السياسية والإعلامية المعهودة في مثل هذه الحالات من الخلاف بين الدول، إنها علاقة فوق التاريخ، لذلك فإنسانها يمشي واثق الخطوة مطمئناً من عدالة التاريخ ومن ثبات الجغرافيا تحت قدميه، لا يخاف الاختلاف مهما بلغ ولا الخلاف مهما طال، لأنه يعي تمام الوعي أنه ذاته الإنسان فإن كان ينام في الدوحة فنصفه الآخر يتمدد في الرياض، فهو هو وإن اختلفت الأوراق الرسمية لا يمكن لفيروس المرض أن يتوغل في الجسد السعودي دونما يكون قد اخترق أولا وأصاب نظيره أو نصفه القطري، ولا يمكن أن يهنأ النصف السعودي بنوم طالما ظل طرفه الآخر القطري يعاني السهر والحمى، لذلك نرى الرجوع دائماً أحمد بعيد كل سحابة صيف تعبر، إنها الروح الواحدة المحركة للتاريخ الواحد لا يجدي معها مكر الماكرين ولا حقد الحاقدين، انظر معي كم أثلجت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قلوب القطريين قادة وشعباً، تأمل معي حرارة اللقاء ودفء المشاعر وصفاء القلوب، إنها ذروة الحقيقة الساطعة وقوة البصر الحديد عندما يكشف عنه الغطاء، كم سعدنا نحن أبناء الشعب القطري بهذه الزيارة، بل كم بدا سموه الملكي مسروراً وهو يلتقي بأخيه سمو الأمير المفدى، كم صغرت الخلافات حتى تلاشت، كم ذابت الفروقات حتى اضمحلت، كم أشرق الأمل حتى تبدد اليأس، كم علت الابتسامة الشفاه حتى نسيت معها التجهم والعبوس. لقد كانت الفترة السابقة استثنائية بمدلولاتها السلبية بجميع المقاييس، كنا نعرف أنها لن تستمر وإن طالت لبعض الوقت، فلا يمكن لأحد أن يمكر بالتاريخ إلى الأبد ولا يمكن لأحد أن يعبث بالجغرافيا دون أن تحترق يداه، أن يستمر الخلاف بين قطر والسعودية أمر في اعتقادي مناف للفطرة، حيث لا يمكن تصور قطر بدون الامتداد السعودي والسعودية بدون الحنين والود والدبلوماسية والدور القطري. نحن نعرف أن المزايدين سيخسرون، نحن ندرك أن المراهنين على غير رغبة الشعبين سيدحرون، كنا ننام ملء جفوننا في عز الأزمة ثقة بالتاريخ وإيماناً بالجغرافيا وبحكمة القادة، لم تؤثر فينا الإشاعات ولم ترهبنا التأويلات إيماناً وإدراكاً بالحقائق التي ذكرت، عندما يصبح المصير واحداً تذوب الخلافات وتنتهي النزوات، فالمنطقة مهولة بتغيرات كبيرة تجعل من النظر إلى الصغائر أمراً لا يستقيم وخطورة الوضع المحتمل. وتضيع أولوية خاصة لوحدة المصير المشترك، ورغبة الشعبين الشقيقين في التكاتف والتعاون. [email protected]