23 سبتمبر 2025
تسجيللا يختلف اثنان على أن الأخلاق سر تقدم الأمم ورقيها ، مهما بلغت إمكانياتها من القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية، إلا أن مؤشر الأخلاق هو الأقوى ، ذكر ابن خلدون " إن السلوك الأخلاقي المنحرف هو طريق الانهيار الحضاري ، وأن رقي الأمم لا يتحقق بتوافر القوة المادية ،أو رقي العقل ، بل بتوافر الأخلاق الحسنة، فتاريخنا الإسلامي خير شاهد على سقوط حضارات ودول نتيجة سوء أخلاقيات حكامها وشعوبها، الأندلس نموذج، واليابان نموذج آخر في واقعنا اليوم والتي لم تتمتع بأي مقومات طبيعية وإنما ثروتها الاستثمار في البشر، فلننظر إلى أخلاقيات شعبها وقيمهم وضميرهم الحي وازدهارها الصناعي ،ولعلنا نتذكر رقي سلوكهم وقيمهم في مباريات كأس العالم في روسيا حين قاموا بجمع مخلفات القمامة في أكياس بعد الانتهاء من المباراة تلك هي الحضارة وصدق الشاعر أحمد شوقي حين قال : إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا … لذلك استوقف من حضر ومن شاهد ومن سمع الأخلاق التي اتسم بها الشعب القطري وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد أمير البلاد المفدى، في خليجي 24 بدءا بحسن الاستقبال وحسن التنظيم ، وانتهاءً بالتتويج وكيفية التعامل مع اللاعبين والجماهير القادمة داخل الملعب وخارجه ، هذه المنظومة الأخلاقية العالية المصاحبة للدورة القائمة على أرض قطر جعلت التوترات السياسية التي توشحت بها الأجواء الخليجية وخلقت ثغرة بين شعوبها وما صاحبها من التدني في المستوى الأخلاقي والإنساني بالقول والفعل في قالب ثلجي انصهرت معها الخلافات السياسية لتحل محلها العلاقات الأخوية الإنسانية التي تجمع بين الشعوب الخليجية كأسرة واحدة متكاملة على أرض خصبة بأخلاقها وكرمها ، حولت الساحة الرياضية إلى ساحة ود واحترام ومصافحة ومباركة ، لإثبات ما يقال أن الرياضة تصلح ما تفسده السياسة، تلك هي الشعوب الخليجية التي تربط بينها علاقة مشتركة في اللغة والتاريخ والموروث والرحم، يداً بيد القطري والسعودي والبحريني والعماني والكويتي على أرض واحدة وترنيمة واحدة " خليجنا واحد " تجاوزت ما يسمى بقانون التعاطف الذي فرض عليها ، وتلك هي قطر بمنهجها الأخلاقي، الذي تعاملت به مع ضيوفها الخليجيين بروح رياضية ، وكرم حاتمي، وتنظيم دقيق، وهذا هو أميرنا حفظه الله الذي يُؤْمِن بأن ما يربط الشعوب أكبر وأعمق من الخلافات السياسية مهما كان حجمها ، فيجب احترامهم ومشاركتهم فرحتهم ، ويجب أن تكون قيمنا هي السلاح الأقوى في محاربة ومواجهة من يهدف إلى تفكيك الشعوب وزعزعة أمنها ، ويجب أن تكون أرضنا حاضنة بالحب والمودة والأمن ، مقتدياً بقوله تعالى القائل في كتابه الكريم : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [ 199 الأعراف ] وقد لفت انتباه الكثير أسلوبه أثناء التتويج وكيفية تعامله مع الفرق الفائزة بالابتسامة والمصافحة والتبريك والتصفيق، والتي أشاد به الكثير من مواطني دول الخليج ، بالرغم من التوترات السياسية الراهنة التي ما زالت قائمة ، يصاحبه أمل بالمصالحة وعودة العلاقات الخليجية إلى مجاريها ، وتلك هي قيمنا الإسلامية التي تفسرها المواقف في كيفية احترام الآخر وعدم زجه في التوترات والخلافات السياسية ، فهناك مغرضون وهناك منافقون وهناك دجالون هدفهم إثارة الفتن بين الشعوب ويرقصون على جراحهم ، ويفسدون أخلاقياتهم بمستنقعاتهم الضحلة، حقاً إن استدامة الأوطان ورقيها مرهون بأخلاقها وقيمها سواء في علاقاتها الداخلية أو الخارجية ، ونحن اليوم نحتفل باليوم الوطني لدولتنا الحبيبة التي نتمنى أن تكون احتفالاتنا مستدامة بالعمل بأمانة وإخلاص وحب وتفسير ذلك في الواقع ، فلابد أن يسبق القول العمل ، وأن نكون بأخلاقنا أهلاً لدولة تسير في خطى النمو والازدهار، وأمير ديدنه التواضع والحب لشعبه من المواطنين والمقيمين، حفظ الله قطر وأميرها وشعبها والخليج من كل سوء، وكل عام وقطر وأميرها وشعبها بخير . Wamda.qatar@ gmail.com