12 سبتمبر 2025
تسجيللا شك بأن القمة الخليجية الـ (35) المنصرمة في الدوحة استثنائية وليست عادية كما حلا للبعض تصويرها ليس لأنها جاءت في ظل ظروف "بالغة التعقيد والدقة" إقليميا ودوليا فحسب بل لأنها وُفّقت مسبقا وباقتدار في عقدها في الدوحة – المتنازع حول سياستها- في ذات الوقت وبهذه الروح التي نجحت في تجاوز الخلاف الخليجي-الخليجي في ظل انفراج لما سمي بحرب باردة بين دول الخليج، إذ عكست كلمة سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، رئيس الدورة الحالية للقمة على خلاصة التجربة السابقة باستهلاله لها بكلمة "تعلمنا التجارب الأخيرة" علما استقاه الأمير الشاب من الخبرة والتجربة في وعي حاكمي وحكيم والذي لم يثنه قصر مدة حكمه عن الإفادة منها فركز فيها على ضرورات سمو التوافق على الاختلاف وضرورات عدم نفاذه لينخر في الجسم الخليجي على مستوى الشعوب ومختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية وما يقاس عليهم .وبين حكمة القيادة الشابة في سمو "تميم " وحنكة الحاكم المخضرم من جيل الآباء تقارب كبير إذ أكد سمو الشيخ صباح الجابر الصباح في كلمته أيضا بعد كلمة سمو الشيخ تميم على مقولة عربية مهمة في الدفع إلى الإفادة من هذه التجربة في العلاقات الخليجية - الخليجية مفادها:"لو وقفنا حكما على الماضي لضيعنا المستقبل."إذًا بين الماضي والمستقبل جاءت القمة خليطا فريدا بين الجيلين لتؤكد ضرورة "عدم تحويل الخلاف في الاجتهادات وتقدير الموقف السياسي" حتى وقت الأزمات إلى خلافات تفت في عضد آليات التعاون والتعاضد ومؤسساتهما فضلا عن تأثيرها على علاقات الشعوب الأخوية. خصوصا في ظل الأطماع الخارجية والتهديد المشترك لوحدة الخليج. القمة نحت منحىً جديدا في استهلالها بمخاطبة فئة الشباب للقادة، الفئة التي تمثل 60 %خليجيا و 70% عربيا- ، الشباب الذين يعدون دينامو المجتمعات والسكان ووقود الإعلام الجديد أي أنهم أهم أدوات ودينامو التغيرات في مجتمعاتهم. ولم يكن الخطاب مفرّغا من أدواته بل خاطبت القمة فكر الشباب ممثلا في التنويه بأهمية الإعلام في كلمة سموه وأهمية أدوات الجيل الجديد، أعني الإعلام الاجتماعي، في كلمة الشباب في القمة والذي جاء- بلا شك على رأس التحديات الراهنة المستجدة والتي لعبت دورا كبيرا في تأزيم الخلاف الخليجي- الخليجي السابق مطلع هذا العام، وشب النار على الزيت كما يقال في العامية، والذي عصف بالحوار السياسي بين الشعوب على وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصا تويتر الذي شكل أقوى وأخطر أدوات التوتر الخليجي وما أسميه "نافخ الكير" في بث خطاب الكراهية ولغة الأحقاد على المستويين الشعبي والرسمي والتي كادت أن تفت في عضد السياسات، فالإعلام والسياسة وجهان لعملة واحدة، وقد تطرقت إلى ذلك في ورقة عمل حول (أثر تويتر على الحوار السياسي الخليجي- الخليجي) كنت قد قدمتها الأسبوع الماضي في مؤتمر مراكز البحوث العربية في الدوحة:( دول مجلس التعاون الخليجي: السياسة والاقتصاد في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية". من يقرأ ما بين سطور الكلمات يحلل أنه حين يجب علينا الإفادة من حنكة وخبرة المحنكين في الميدان السياسي يجب علينا في الجانب الآخر تقدير دور الشباب وآليات العصر وأدواته وتجاوز بيروقراطية الماضي والفكر السياسي الهرم لا في العمر - فالعمر حنكة واقتدار- بل في تجاوز الفكر السياسي المتحجر فوق مقتضيات العصر وتحدياته. القمة نجحت بكل المقاييس ولن نردد موال حكمة القيادات وبعض النفاق السياسي في الخطاب الإعلامي والشعبي رغم إيماننا بتفوق وبراعة القيادة الشابة في أول تجربة لها وسط ظروف حالكة وثقل كبير على كاهلها بلا أدنى شك، وفي الوقت الذي لا نقلل فيه من الجهود الحثيثة التي بذلها قادة قمة دول المجلس في تقدير خطورة الوضع الراهن، إذ إن الحنكة السياسية كانت مهمة فوق كونها واضحة في تداعي الأزمات التي كادت أن تعصف بالوحدة الخليجية على المستوى الرسمي لا الشعبي. ولكن ما بدا واضحا للعيان للمواطن الخليجي قبل العالم ما تصطلح عليه القاعدة السياسية العامة وهي أن التحديات والمشكلات الكبرى تحدد المواقف وتوحدها فضلا عن "السياق السياسي والاقتصادي العالمي العام بتحولاته السياسية والاقتصادية العميقة" والمهمة حتما.فموقف الخريف العربي والثورات المضادة، وانتشار الميليشيات العسكرية في دول على الأطراف المتاخمة للخليج، الهبوط الحاد في أسعار النفط، والتدخل والنفوذ الإيراني الملحوظ المستقل والمتغلغل في العمق الخليجي وحدوده .. كلها قنابل موقوتة، بل لا نخطئ إذا قلنا إن بروز الحركات الأيديولوجية الاستخباراتية الإرهابية المتطرفة الّلاإسلامية - هي الأخطر والأهم في توحيد المواقف- إذ جعلت بوابة الخليج وجميع حدوده أمام خطر محدق متساوٍ يتجاوز مخاوف الأزمات الداخلية التي تختلف في كل قطر خليجي عن الآخر. لذلك كان لزاما على الخليج أن يتفق لا أن يختلف وتتحد السياسات لا أن تشذ لأن الفرض مقدم على النافلة وتحقيق أمن واستقرار المنطقة مقدم على تداعيات السيادة الفردية والدخول في سياسية متشرذمة لم نجنِ منها العنب في ماضٍ قريب لم يبرأ من وخز شوكه أحد .القمة أكدت من خلال متابعة ملفاتها وبياناها وإعلانها الختامي أن طي ملفات الاختلاف سياسيا تصدر مناقشة ملفات التوافق الحالي، مشاريعه وبرامجه، كما أكدت أن استقرار الخليج وأمنه هو شأن عربي في المقام الأول، وكل لا يتجزأ من المنظومة الاتحادية التي رحب فيها سمو الشيخ تميم في كلمته بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في الاتحاد والتي سماها "بالهدف السامي" ومطالبا بأن تكون هي النواة للاتحاد العربي وفي التسمية تلك أهمية ملحوظة إذ إن هناك فرقا بين المطلب والهدف لأن من يريد أن يحول أي أمر إلى تنفيذ يصوغه هدفا لا مطلبا وهذا ما جاء في خطاب سموه، لذلك فإنني لا أتفق مع بعض من حلل خطاب سموه - من ربطه الاتحادين الخليجي والعربي ببعضهما - في هذا الطرح باعتباره " تمييعا للاتحاد الخليجي" . خصوصا أن بداية خطاب سموه قد فسرت هذا حين شرح مراحل تحقيق الهدف عمليا ومنهجيا وبوضوح في تأكيده على ذلك بأن: (الممارسة هي التي تضع المشترك فوق المختلف عليه، وترفع التعاون فوق الخلاف، هي التي تحوّل مجلس التعاون الخليجي إلى كيان حقيقي، وتبني مضمونا لمقولة إن المجلس هو المنظمة العربية الفاعلة على الساحة الإقليمية والدولية. ويحق لنا عندئذ أن نأمل أن تشكّل نموذجًا للأطر العربية الأخرى)بترؤس قطر لمجلس التعاون عام 2015، ونأمل أن يكون نقلة نوعية سياسيا وإعلاميا .وأخيرا نستبشر ونأمل كما قال سموه بأن: (تؤسس لانطلاقة جديدة في علاقات دول مجلس التعاون وشعوبه على أمل ألاّ تكون علاقات الشعوب موضع تساؤل في أي وقت.) والدور منوط بالقيـــادات وبالشعــوب أيضا خصوصا في عصر الألـــــغـــام "الإعلام الجديد."