14 سبتمبر 2025

تسجيل

هل هي المعركة الفاصلة؟

15 نوفمبر 2023

تذكر كتب السير والمراجع التاريخية أن عدد غزوات نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قبل غزوة فتح مكة هي أربع وعشرون غزوة ابتداءً بغزوة الأبواء في العام الثاني للهجرة والتي انتهت بمعاهدة المسلمين مع بني ضمرة من كنانة ولهذا لم يحصل بهذه الغزوة قتال، مرورًا بغزوة بدر الكبرى في نفس السنة والتي انتصر فيها المسلمون انتصارًا حاسمًا وقتل فيها أبو جهل، ثم غزوة أحد التي انتصر فيها المشركون، ثم الخندق التي انسحب فيها المشركون وانكشفت خيانة يهود بني قريظة، حتى جاءت غزوة فتح مكة في العام الثامن للهجرة حيث استسلمت قريش دون قتال وكان فتحًا ونصرًا مبينًا للإسلام. ولا شك أن المقاومة الباسلة في غزة، وهي حركة مشروعة يتبناها الأحرار في أي بقعة من هذا العالم ضد المعتدي والمحتل، ليست كباقي حركات المقاومة التي شهدها العالم عبر التاريخ الحديث، بل هي مقاومة على منهج شرعي مرتبط ارتباطا وثيقا وبفهمٍ عميق بمنظومة الفقه الشرعي الإسلامي وبسيرة نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام وهديه، ذلك الفهم وتلك الإيديولوجية لم يفرض منهجها نظاما سياسيا منعزلا عن واقع شعبه، أو مرتبطا بقوى سياسية إقليمية أو دولية تملي عليه اجندتها التي تضمن لها الهيمنة والتبعية واستغلال الموارد مقابل ضمان استمرار النظام وكرسي الحكم، بحيث يتراخى عنها في المنعطفات الخطيرة التي تمر بها عادةً حركات المقاومة فضلًا عن أن يفكر بالتخلي عنها. إن قوى المقاومة في ارض فلسطين محصنة ضد الحسابات السياسية الضيقة التي عادة ما يتبناها العملاء وأهل الهوى ممن باعوا آخرتهم بدنياهم او دنيا غيرهم، بل هي مقاومة لها عقيدة قتالية لا يطول سقفها إلا المؤمنين ولا يتبنى فكرها إلا الأحرار، فهي اذا صح التعبير أيديولوجية راسخة وغير قابلة للمساومة، وهذا لا يعني الجمود وعدم التفاعل مع المتغيرات والمعطيات السياسية والعسكرية على أرض الواقع بل يعني وضوح الرؤية وثبات الاتجاه والاستعداد للتضحية مهما كانت في سبيل تحقيق النصر أو الشهادة. إن ما قامت به المقاومة في السابع من اكتوبر كان كافيًا لكشف الحقيقة المزيفة لجيش الاحتلال، والكشف عن مدى الاستعداد والتنظيم والعبقرية والتضحية لدى المقاومة في غزة، كما نجحت في ارجاع الزخم للقضية الفلسطينية وافشال محاولات تكريس الاحتلال والتطبيع، ونسف ما يسمى بصفقة القرن. لقد نجحت المقاومة أيضًا في كشف نفاق الأنظمة الغربية، وانحياز أجهزتها الإعلامية، وعجز المنظمات الإنسانية والدولية عن تقديم اقل متطلبات الحياة لأهل غزة، وكشفت عن الوجه القبيح للكيان الصهيوني الذي اصبح منبوذًا في العالم كما لم يكن قبل السابع من اكتوبر. ولقد تفاجأت الشعوب العربية كما لم يكن من قبل بعجز الدول العربية والاسلامية مجتمعة عن مساندة أهلنا في غزة، لا بدعم المقاومة، ولا بوقف الحرب، ولا بفتح المعابر، ولا بادخال المساعدات الإنسانية، ولا باتخاذ موقف ضد الكيان الصهيوني، ولا ضد حلفائه الذين يمدونه بالسلاح، ولا بالدعوة للمقاطعة الاقتصادية، وفي بعض الدول الإسلامية منع الدعاء للمجاهدين أو الدعاء على الصهاينة. ومع كل تلك الدروس التي استفادت منها المقاومة بعد غزوة السابع من اكتوبر، إلا أنها أيضًا كشفت عن عجز النظام العربي والإسلامي الذي وصل الى مرحلة قريبة جدًا من التواطؤ، ووهن وصل الى مرحلة الذل مع ما تمتلكه تلك الدول من امكانات هائلة واوراق ضغط عديدة لو توافرت لرجال المقاومة في غزة، أولئك الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، لغيروا وجه التاريخ، ولكنه الوهن في زمن الغثائية الذي حذرنا منه سيد البشر حين قال في الحديث الذي رواه ثوبان: « يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت» رواه أحمد. والله من وراء القصد