12 سبتمبر 2025

تسجيل

لا تقلموا أظافر الشعوب

15 نوفمبر 2023

بعد انقطاع عن الكتابة استمر عدة شهور بسبب وفاة أخي رحمه الله، تنهال الأحداث التي تدعوك للكتابة والخروج من دائرة الحزن. تخرج لدائرة من الحزن أكبر متمثلة فيما تمر به أمتنا الإسلامية من محن ومصائب يصعب وصفها أو الحديث عنها أو حتى تصديقها. وبالتأكيد هي حرب الإبادة التي يمارسها المحتل الصهيوني على أهلنا في قطاع غزة. وأمام صمت مطبق يلف العالم أجمع، فواجبك تجاه ما تمر به الأمة يحتم عليك أن تمسك القلم لتخط به ما يجول بخلدك، تريد أن تتحدث بلسان أهل غزة لتكتب من زاويتك، خاصة بعد أن دخل القصف شهره الثاني، فلعل الكلمات تُسمع آذاناً وتصل لأفئدة تستطيع التغيير يوماً ما. لا شك أن هذا الصمت المطبق، اسقط كل أقنعة المنظمات والهيئات المزعومة التي تدعي حماية حقوق الإنسان، هذه الحقوق التي يحاول الغزيون إيصالها لنا عبر كل الوسائل ومن خلف أصوات كل القنابل التي لا يكاد يخرس لها صوت، لقد أسقط طوفان الأقصى كل الأقنعة ليظهر لنا الوجه القبيح الداعم لآلة القتل اليهودية، الراعية للإجرام والتوحش والتوغل، وبدت أنياب الدول الغربية متمثلة في أمريكا وأوروبا، لتقول لك إنه الغرب العنصري، الذي يرى المسلمين في مراتب لا تكاد تصل لأدنى مستويات الإنسانية ولا يرى لهم أي حق في حياة كريمة. وأمام هذا الصمت، وأنت تطالع أرقام الميزانيات الضخمة المرصودة لجيوش الدول العربية والإسلامية وما يصرف عليها من عدة وعتاد ثم لا ترى لها أثراً في حماية أعراض المسلمين، وعندما تنتهك الحرمات ويعتدى على الأوطان دون أي تدخل يذكر لهذه الجيوش فإن ذلك وبدون شك يدل على أن روح الاستعمار ما زالت تضلل هذه الحكومات وأنها هي التي تُسير دولابها. ويؤكد لك أن المستعمر الأبيض يوم غادر حكومات هذه الدول لم يتركوا أماكنهم خالية بل تركوها لمستعمر محلي قام مقامهم يُغني بغنائهم ويحقق أهدافهم في وفاء كامل وأمانة وإخلاص. لقد كانت وظيفة المستعمر الأولى في البلدان العربية هي قتل الروح المعنوية، وبذر بذور اليأس والضعف والقنوط في نفس هذه الأمة. والإيماء الدائم للمسلمين بأنه يستحيل أن يصنعوا شيئاً، لأنهم غير قادرين على فعل شيء، فخير لهذه الشعوب أن تيأس وتنطوي على ذاتها وترضى بما هو كائن وبما يريده السادة المستعمرون. وكما يحدثنا التاريخ، فإن جهد المستعمر الأكبر كان يتوجه إلى قتل روح الجهاد لأنهم يدركون جيدا أن يقظة روح الجهاد هي الخطر الأكبر الذي يتوعدهم ويتهددهم. إن كل ما يفعله العرب من الخطب والشجب والاستنكار لن يهز قواعد الدول الغربية، ولكن طوفان الأقصى هز قواعدهم من أساسها. هم يدركون تماماً أن بث روح الجهاد واستيقاظه هو الخطر الوحيد والخطر الأكيد، لذلك هم يحرصون على تحريك وتوجيه هذه الجيوش كما يخططون ويريدون لا كما تريد الأمة وتحتاج، وإلا فأي حياة كريمة وأي أنفة وأي كبرياء وأي قدرة على اتخاذ القرار وأي أحلام وأي طموحات تتحقق بدون حمل سلاح. ومع تتابع الأحداث وسقوط الأقنعة، آن الأوان للدول التي تدعم هذه الدول الغربية، أن تفهم أننا لسنا في حالة من السلم مع هذه الدول، والتي تقتضي بقاء التمثيل السياسي والقنصلي، وتقتضي بقاء العلاقات بين الدول. هذه الدول التي تريد أن تفكر فقط بعقلية المفاوضة والمحادثة والدبلوماسية والاكتفاء بالشجب والاستنكار والمقاومة السلبية. وإذا كانت هذه الدول لا تريد أن تدفع بجيوشها لأداء واجباتها لنصرة إخوتهم فلا أقل من أن تدع الشعوب تؤدي واجباتها. أسأل الله العظيم أن يرفع عن إخواننا الظلم وإن يرينا في الطغاة ومن عاونهم عجائب قدرته.