10 سبتمبر 2025
تسجيلقادت قطر خلال هذا الأسبوع عملا في غاية الأهمية من شأنه أن يعجل بسقوط النظام القمعي للرئيس بشار الأسد. وكانت المحادثات المطولة التي امتدت لأربعة أيام تهدف إلى تشكيل إطار موحد لمختلف قوى المعارضة للدفع بجهود مقاومة النظام قدماً. وقد رحبت الحكومات الغربية بهذه الخطوة واعتبرتها خطوة إيجابية نحو إنهاء حكم عائلة الأسد الذي امتد لأكثر من أربعين عاما. وقد توجت هذه المحادثات المطولة يوم الأحد الماضي بتوقيع المجلس الوطني السوري، أكبر قوة سياسية معارضة للنظام، اتفاقا يقضي بتشكيل تحالف جديد أطلق عليه "الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية". وبهذا تكون المعارضة قد استجابت للضغوط المتزايدة لقبول مجموعات أخرى لم ترغب في ضمها إلى صفوفها لعدم فعاليتها أو لدورها الهامشي. وقد وافق المجلس الوطني السوري في الاتفاق المبدئي على انتخاب أحمد معاذ الخطيب رئيساً للائتلاف المشكل حديثا، فيما تم انتخاب رياض سيف، وسهير الأتاسي نائبين للرئيس. وأكدت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها للاتفاق الذي توصلت إليه قوى المعارضة لإسقاط الأسد ورموز نظامه، وترفض فيه أي حوار مع النظام. كما يمنح الاتفاق صلاحيات تشكيل هيئة قضائية وطنية، وتشكيل حكومة مؤقتة بعد نيل التحالف لاعتراف المجتمع الدولي، ومن ثم إقامة حكومة انتقالية بعد إسقاط النظام.وكان رئيس الوزراء القطري معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني قد أكد قبل وصوله إلى القاهرة أنه سيجري مباحثات مع وزراء الخارجية العرب والحلفاء الأوروبيين لكسب الاعتراف للتحالف الجديد. وهذا ما تحقق فعلا في اجتماع وزراء الخارجية العرب والأوروبيين في القاهرة. وبنيل المعارضة الاعتراف الدولي ستكون قد اكتسبت الشرعية الكاملة المنشودة لتشكيل حكومة مؤقتة داخل سوريا أو في المنفى. وكانت الدول الأساسية الداعمة قد وعدت التحالف بتقديم مساعدات عسكرية وإنسانية تمكنه من تحقيق أهدافه للشعب السوري.وكان بشار الأسد قد استبق هذا الحدث بالظهور في مقابلة مع قناة روسيا اليوم الأسبوع الماضي أكد فيه بقاءه في الحكم وتعهده "للعيش والموت" في سوريا حيث عاش منذ ولادته. وتشير كلماته في المقابلة على أنه ربما أراد أن يرد على المطالبات المستمرة من المجتمع الدولي لإنهاء حكمه العسكري. كما أشار الأسد بأنه لن يتنحى عن الحكم أو يغادر سوريا، بل وحذر الدول الغربية من التدخل في الشأن الداخلي السوري، وإذا حدث وتم التدخل فإن الثمن سيكون أكثر من أن يتحمله العالم حسب قوله.ومنذ مارس 2011 فإن المواجهات الدموية مع الثوار قد أودت بحياة أكثر من 37 ألف سوري، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد كلما طالت فترة بقاء الأسد ونظامه في الحكم. وتتخوف القوى الإقليمية والدولية الفاعلة من انتشار هذه الحرب عبر حدود الدول المجاورة لتزيد المشكلة تعقيدا، لتتعمق الأزمة التي تهدد انعكاساتها الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.وقد وقعت بالفعل سلسلة من الهجمات على الحدود مع لبنان وتركيا وإسرائيل، كانت آخرها غارة للطيران السوري على منطقة رأس العين الحدودية التي تسيطر عليها المعارضة، وأودت بحياة 16 شخصا، وأجبرت أعداداً أخرى على عبور الحدود للاحتماء بمخيمات اللاجئين على الجانب التركي. وقد دفعت التطورات على الحدود مع تركيا حلف الناتو لتأكيد تعهداته بحماية حليفته تركيا والدفاع عنها. ومن جانبها قالت الحكومة التركية بأنها ستتخذ إجراءات دفاعية لتفادي امتداد العنف إليها من سوريا.وفي أعقاب محادثات توحيد المعارضة في الدوحة، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون كلاً من سوريا وإسرائيل إلى ممارسة ضبط النفس بعد أن سقطت قذيفة على الجانب الذي تحتله إسرائيل من هضبة الجولان وردت عليه إسرائيل بطلقات تحذيرية. ويأتي الهجوم إثر تصريحات أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أكد فيها أن إسرائيل "مستعدة للتعامل مع أي تطور" في إشارة إلى الأزمة السورية.وكررت الدول المجارة لسوريا مطالبتها للمجتمع الدولي خاصة أمريكا بإقامة منطقة حظر للطيران لمنع طيران الأسد من مهاجمة اللاجئين في المناطق الحدودية، وامتداد النزاع إلى دول الجوار. ولا تزال الدول الغربية مترددة في اتخاذ مثل هذه الخطوة بسبب الفيتو الروسي- الصيني المزدوج ضد قرار فرض عقوبات على سوريا. وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد أشار في سبتمبر الماضي إلى أن الولايات المتحدة لا تعطي اهتماما كافيا للأزمة السورية وتقدم دعماً غير مؤثر للمعارضة لانشغالها بالانتخابات الرئاسية.وبالعودة للوراء، فإن أخطاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما في إدارة الأزمة السورية وتعامله مع الثورة يبرهن على أن هنالك ثغرات وجوانب ضعف في سياسته الخارجية. وها هو أوباما قد أعيد انتخابه، وحان الوقت لتفعيل سياسة بلاده الخارجية لتقويض حكم الأسد، وزيادة الدعم لقوى المعارضة للتخلص من النظام القمعي. وباعتبارها المشكلة الأكثر إلحاحا خلال هذه الفترة، فإن الظروف تبدو مواتية لأوباما ليستعيد زمام المبادرة في الأزمة السورية. حيث يمكنه مع حلفائه أخذ الدروس والعبر من تجربته خلال السنوات الأربع الماضية في التعامل مع قضايا المنطقة.أما في إيران الحليف الأقرب إلى سوريا، فإن صناديق الاقتراع ستحدد قريبا الرئيس الذي سيخلف أحمدي نجاد. وأياً كان الفائز في انتخابات 2013، فالمؤكد هو أن الدولتين ستواجهان تحديات جمة. فبالنسبة لإيران يتوقع أن تتدخل المزيد من الأطراف للحد من طموحاتها النووية، بينما ستدخل الأزمة السورية مرحلة حاسمة في ضوء تعزيز المقاومة لموقفها بتوحيد صفوفها وكسب المزيد من التأييد الإقليمي والدولي.وكانت شعوب الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية تكافح من أجل تحقيق المزيد من الإصلاحات السياسية، وأن تجربة الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن تبرهن لنا بأن الزمن وحده كفيل بتحديد اللحظة التي يحين فيها التغيير الحقيقي في بلد ما. فالحاكم السابق لليبيا الدكتاتور معمر القذافي الذي حكم البلاد لحوالي اثنين وأربعين عاما وتمسك بالحكم إلى آخر لحظة لقي فيها حتفه بعد أن تعرض لما يكفي من الإهانات والإذلال على يد من ثاروا على حكمه. وكذا حسني مبارك الذي حكم البلاد لثلاثين عاما يواجه مصيره المحتوم في بلده مصر بعد أن حكم عليه بالسجن المؤبد. وبعد إعلان الرئيس السوري بأنه "سيعيش ويموت " في سوريا يتضح لنا بأنها مسألة وقت لا غير لنرى اللحظة التي يتم فيها إقصاؤه من الحكم بشتى السبل الممكنة. وبنهاية هذا العام ستكون الأيام الحالكة للثورة السورية قد انتهت وتأتي اللحظة التي نشهد فيها نهاية قصة حكم الأسد. فما تحقق خلال هذه الأيام القليلة الماضية يجعلنا أكثر تفاؤلا برؤية غد مشرق للثورة السورية، وتباشير عام 2013 تلوح في الأفق بالنصر المؤزر للشعب السوري.