18 سبتمبر 2025
تسجيلبداية، من الضروري التوضيح أن مفهومي: اليمين واليسار في إسرائيل هما نسبيان، قد ينطبقا على مفاهيم الأحزاب فيما يتعلق بالحياة الداخلية الإسرائيلية بتطبيقاتها الاقتصادية بشكل خاص، لكن المفهومين لا ينطبقا على وجهات النظر السياسية لكلا أحزاب اليمين وما يسمى باليسار، فباستثناء الحزب الشيوعي فإن كافة أحزاب المعسكرين صهيونية حتى العظم، ولا يمكن الجمع بالطبع بين الصهيونية كمعتقد أيديولوجي- سياسي وبين مفهوم اليسار بمعناه العلمي المصطلح والمتعارف عليه. لذلك فيما يتعلق برؤية الأحزاب الإسرائيلية للتسوية (ما يسمى بالسلام) مع الفلسطينيين والعرب، فإن الأكثر دقة في توصيف هذه الأحزاب جميعها هو القول: الأحزاب اليمينية والأحزاب الأكثر يمينية وهذه تتضمن الأحزاب الفاشية. إن مظهراً آخر يتلازم مع مفهوم الصهيونية هو مفهوم العنصرية بكافة أشكالها وصولاً إلى الفاشية، فالحزب الذي يعتنق الأيديولوجيا الصهيونية هو بالضرورة على أتم الاستعداد لتبني الفاشية وإن ادّعى عكس ذلك في سياساته. وفقاً لكافة استطلاعات الرأي الإسرائيلية فإن تحالف الليكود-إسرائيل بيتنا بزعامة نتنياهو وليبرمان سيحقق قصب السبق في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية القادمة، فهو سيستحوذ على ما يقارب الــ45 عضواً في الكنيست. وسيكون من السهل عليه التحالف مع شاس الحزب المؤهل للحصول على ما يقارب 13 صوتاً. وإذا ما أضفنا الأحزاب الأكثر يمينية الأخرى المشاركة في الائتلاف الحكومي الحالي، فسيكون من السهل على الثنائي نتنياهو- ليبرمان في أصعب الحالات الحصول على الأغلبية النسبية في الكنيست. في استطلاع آخر أجراه مركز (حوار) قبل ما يزيد على العامين تبين أن نسبة اليمين بين اليهود الإسرائيليين في عام 2015 ستبلغ 65% بمعنى آخر: أننا أمام مرحلة جديدة في إسرائيل عنوانها: تعزيز مواقع الأحزاب الأكثر يمينية في الكيان الصهيوني، هذا الأمر له تداعياته الكبيرة على الداخل الإسرائيلي وعلى الصعيد الخارجي أيضاً. على صعيد الداخل الإسرائيلي: فإن نسبة تدخل الأحزاب الدينية في الشأن السياسي ستتزايد، الأمر الذي يجبر الحكومات الإسرائيلية القادمة (المؤهلة في الأساس) على الانصياع لطلبات واشتراطات هذه الأحزاب في الحياة الاقتصادية والأخرى السياسية والتطبيقات الاجتماعية أيضاً، وهذا أكثر ما شهدناه في الحياة الإسرائيلية. في الائتلاف الحكومي الحالي. وهو سيتزايد في المرحلة القادمة، ذلك سيؤثر اقتصادياً على إسرائيل من ناحية اقتطاع مليارات من الشواقل لصالح هذه الأحزاب(كما حصل في الائتلاف الحالي) من الميزانية الإسرائيلية. هذا بدوره سيؤدي إلى اقتطاعات كبيرة من أموال أشكال الضمان المختلفة: لتلبية احتياجات واشتراطات هذه الأحزاب وسط مظاهر يتآكل فيها في القطاع العام لصالح الخاص. الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى أشكال كبيرة من الاحتجاجات. على صعيد أهلنا في منطقة 48: ستشهد المرحلة القادمة المزيد من التضييق عليهم في إسرائيل بالمعنيين الحياتي بكافة أشكاله وسبله، والقانوني من خلال سن قوانين عنصرية جديدة ضدهم. وسط أجواء من تصاعد وتنامي المظاهر العنصرية في الدولة الصهيونية. سيتفنن اليمين الأكثر تطرفاً في إسرائيل في اختراع الأساليب التي يستطيع من خلالها إجراء ترانسفير للكثير من العرب، وفي خلق التعقيدات السياسية الاقتصادية، الاجتماعية لهم حيث تتحول حياتهم إلى جحيم، بحيث يتم دفعهم دفعاً(وبخاصة الشباب) إلى الهجرة الطوعية. كذلك ستزداد الدعوات إلى تحقيق شعار"يهودية دولة إسرائيل" لتكون خالصة نقية لليهود دون وجود العرب فيها. على صعيد التسوية مع الفلسطينيين: بدايةً فإن كافة الأحزاب الإسرائيلية الصهيونية هي مع إبقاء القدس "عاصمة موحدة أبدية لإسرائيل" وهي ضد حق العودة للاجئين، وهي مع الاستيطان الذي ستزداد وتائرة، حيث إن نسبة ما تبقى للواهمين بإقامة الدولة الفلسطينية من مساحة فلسطين التاريخية، ستقل كثيراً عن النسبة الحالية (12% وليس 22% وفق آخر الإحصاءات)، حيث يستحيل بشكل مطلق إقامة هذه الدولة بالمعنى الواقعي- العملي. ثم إن كافة الأحزاب الإسرائيلية: اليمينية والأكثر يمينية مع بقاء التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية، وهذا ما يدعو إلى التساؤلات: ماذا سيبقى من أراض لإقامة دولة عليها؟ أين هي الفروقات في رؤية التسوية بين الأحزاب الإسرائيلية؟ أين هو اليمين واليسار في هذه التشكيلات الحزبية؟ الأحزاب الإسرائيلية (باستثناء القليل منها) مع إجراء المفاوضات والإبقاء عليها مع الفلسطينيين وإسرائيل، ولكن مفاوضات من أجل المفاوضات، فقط للإيحاء إعلامياً وسياسياً بأن حركة سياسية ما تجري بين الفلسطينيين وإسرائيل، ولو كان شامير حيّاً حتى هذه اللحظة(الذي سبق وأن صرّح في مؤتمر مدريد: بأننا سنطيل المفاوضات مع الفلسطينيين عشرين عاماً) لأطال أمد المفاوضات القادمة (40) أو (60) عاما هذه المرة. إسرائيل تصنع حقائقها على الأرض. تمارس احتلالاً غير مكلف مطلقاً لها. الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة يشرفون على مجريات شؤونهم الحياتية (أي أنهم يمارسون الحكم الذاتي). التنسيق الأمني يجري على قدم مع السلطة الفلسطينية. في غزة هناك هدنة طويلة غير معلنة. مع مرور الوقت فإن إسرائيل لن تكتفي باعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة إسرائيل قبل التفاوض معهم، وإنما ستشترط عليهم: عدم المطالبة بالقدس، التخلي عن حق العودة.. وهكذا دواليك.. رغم تخلي رئيس السلطة فعلياً عن حق العودة، لكن إسرائيل لن ترضى عنه، سيظل ليبرمان يهاجمه ويطالب بإسقاطه. ليبرمان(الذي طالما طالب وهو خارج السلطة) بأرض إسرائيل الكبرى وترحيل الفلسطينيين من منطقة 48. للعلم نتنياهو ليس أقل يمينية منه، فالذي يريد معرفة حقيقية عليه قراءة كتابه "مكان تحت الشمس" (والذي كان لصاحب هذه السطور كتاب رد عليه وقام بنفي أقواله). على صعيد التسوية مع العرب: إذا كان من يسمون بـ(الحمائم) في إسرائيل مثل: بيريز، أولمرت، تسيبي ليفني، قد رفضوا ما يسمى بـ(مبادرة السلام العربية) ولكن بكلمات دبلوماسية. إذا كأن هؤلاء قد رفضوها صراحة (مع أنها تتجاهل حق العودة وفقاً لقرارات الأمم المتحدة) فهل سيقبلها نتنياهو وليبرمان وايلي يشاي وعوفوديا يوسف ورافانيل إيتان؟ إسرائيل باختصار تريد استسلاماً كاملاً من العرب والفلسطينيين على قاعدة "السلام مقابل السلام" وليس "السلام مقابل الأرض". الحكومة الإسرائيلية القادمة ومقابل التفاوض مع العرب ستطالب بتخليهم عن القدس والمقدسات وعن الانسحاب من كافة مناطق 67. على الصعيد الخارجي: ستقبل الولايات المتحدة والعديد من الدول بإسرائيل أياً كان يحكمها مع أنهم سيحاولون بكل ما أوتوا من قوة الضغط بأن يتسلم منصب رئاسة الحكومة الإسرائيلية والوزارات الأخرى المهمة كالخارجية مثلاً، زعماء من المرنين سياسياً الذين يصرحون دوماً عن أهمية السلام (مع أنهم سوف لن يعملوا شيئاً على صعيد الواقع) من باب الاستهلاك السياسي ليس إلا! وبعد: ألم يحن الوقت لنا كفلسطينيين وعرب إدراك حقيقة إسرائيل وجوهر الصهيونية؟ وأن نبني الإستراتيجية والتكتيك السياسي المفترضيْن الموائميْن لطبيعة هذه الدولة؟ وأن نحرر عقولنا من أوهام: إمكانية قيام سلام مع هذه الدولة؟ وأن نستعد لمواجهة متطلبات المرحلة القادمة؟