20 سبتمبر 2025

تسجيل

الفرصة الدينية والفرصة المدنية

15 أكتوبر 2020

الفرصة الدينية في شعوب متدينة بالفطرة لابد وأن تكون الأقرب للتمثل اليوم من غيرها من التوجهات والاتجاهات والتطلعات الموجودة في الشارع العربي على أشكالها. لذلك ما إن يسقط نظام عربي متسلط حتى تفرض الفكرة أو الفرصة الدينية نفسها قرباً عن غيرها، ولي هنا بعض الملاحظات: أولاً: كما أشرت فإن الشعوب العربية شعوب متدينة بالفطرة لأسباب عديدة، كونها منبع الأديان السماوية، ولأن الإسلام أنشأ مفهوم الأمة وأكد عليه. ثانياً: تبرز الفرصة الدينية أسرع، لأن هذه الشعوب لم تعرف السياسة في حياتها، رغم أنظمتها السياسية، إلا أنها أنظمة ذات بنية دينية أكثر منها سياسية تقوم على الفرد المبجل، المعصوم، المحرر، القائد، مفاهيم رسولية أكثر منها سياسية. ثالثاً: الفرصة الدينية إذا لم تتحول إلى إمكانية مدنية من خلال صب التوجهات الدينية في قوالب مدنية واضحة، قد تؤدي إلى التمايز، بل حتما ستؤدي إليه. رابعاً: مفاهيم الدين المطلقة كالحرية والعدالة والمساواة، أسرع دائما في مرحلة التعبير عنها في مراحل الظلم وعند سقوط الظالم، ولكن بعد ذلك لكي تحكم لابد وأن تتحول إلى مفاهيم مدنية مقننة وحيادية، لكي يعيد الشعب بناء نفسه من جديد، ولا يؤدي الأمر إلى إعادة الوضع السابق. خامساً: جميع أنظمتنا السابقة استخدمت هذه المفاهيم الدينية المطلقة عند استلامها الحكم، ولكن لم تحولها إلى مفاهيم مدنية مقننة دستورياً، فلذلك تحركت في فضاء من المطلق أو استخدمت على نحو جعلها تعني شيئاً في موضع وشيئاً آخر في موضع آخر، وعند شخص آخر. سادساً: تحول الفرصة الدينية إلى فرصة مدنية هو اللحظة الحاسمة والمنتظرة، غير ذلك ليس مأمون الجانب، خاصة في مرحلة الشحن الطائفي الذي تبدو نذره في تزايد. سابعاً: قد يحيل المفهوم المطلق إلى الانتقام السريع في الفكرة الدينية، فيزيد الأمر سوءاً، كما شهدنا، "السن بالسن والعين بالعين"، كما استشهد البعض، لكن المفهوم المدني يعني فهماً أكثر رقياً للفكرة الدينية، ووضح ذلك القرآن "ولئن صبرتم لهو خير للصابرين" مثلا، الفرصة المدنية تعني الارتقاء بالفهم الديني إلى مرحلة الإيمان. ثامناً: أبلغ صورة للفرصة المدنية اليوم "محاكمة مبارك ووجوده في القفص"، هزت هذه الصورة الذهنية العربية وقربتها كثيراً من النقلة الحضارية، أرجو ألا يسرقها الشحن الطائفي ومن هم وراءه. وأبشع صورة في إخراج الفرصة الدينية هي في مقتل القذافي والتمثيل به، لو ارتقت إلى مستوى المحاكمة لفاقت الصورة المصرية بكثير. تاسعاً: الأمة بحاجة إلى الفرصة الدينية والفرصة المدنية، هي بحاجة إلى الفرصة المدنية كامتداد للفرصة الدينية الموجودة فرضا، لكن قوتها واستثمارها الحقيقي والمفيد أن تتحول إلى فرصة مدنية ودستور متسامح مكتوب يسمو بالروح المتدينة إلى رحابها الإنسانية. عاشراً: الفرصة الدينية هي بالضرورة مدنية، وإلا لا يمكن التحقق من أحقيتها وحقيقتها الدينية، لذلك هما بالضرورة فرصة واحدة، تجزئتها اختلاق على الدين وعلى المجتمع. [email protected]