19 سبتمبر 2025

تسجيل

خاشقجي الغياب الأكثر حضوراً

15 أكتوبر 2018

في عالمنا العربي كل شيء حاضر، لا شيء غائب، العدالة حاضرة، الحرية حاضرة، المَكرُمة حاضرة، طالما القائد الملهم حاضراً لا يغيب، طالما أن الحضور يلد الحضور والإلهام يرث الإلهام، لا يشكل الغياب في مجتمعاتنا أي سؤال، هذا الحضور الأبدي هو لب المشكلة في عالمنا العربي، الزمان والمكان ممتلئان في عالمنا العربي، في اعتقادي أن غياب خاشقجي مطلوب وراهنيته قد حان وقتها، نحتاج أن يغيب أو أن يُغيب خاشقجي لكن تحضر قضيته وهي قضية الحرية والرأي الحر، نحن اليوم نحتاج إلى الغياب، مجرد الغياب في حد ذاته، الغياب يطرح أسئلة مفتوحة، الآن في عقل كل عربي حضور للغياب وغياب للحضور، حضور لموسى الصدر الغائب، للمناضل المغربي المهدي بن بركة، وحاليا للصحفي السعودي الغائب جمال خاشقجي، بينما غاب القذافي ونظامه، والحسن الثاني وسنوات حكمة، وحالياً النظام السعودي يرتج لغياب خاشقجي لأنه كما أشرت، في غيابه تبدو قضيته حاضرة وفي وجدان كل إنسان حر في أي بقعة من العالم، للغياب ثلاثة أبعاد، البعد الوجودي وهو الشخص، والبعد المعرفي وهو إمكانياته ودوره، والبعد الإنساني وهو قضيته، فإذا كان بإمكان السلطات السياسية وأنظمة الاستبداد التخلص من بعده الوجودي والمعرفي، فإنها لا تستطيع أن تتخلص من بعده الإنساني وتأثيره وقوة انتشاره. يختلف خاشقجي عن غيره من معارضي النظام السعودي، أولاً لأنه يطرح مشكلته إنسانياً بعيداً عن أي أدلجة. ثانياً لأنه اختفى، والاختفاء بمثل هذه الصورة يطرح قضيته بشكل أكثر أهمية ويجعل منها قضية كل فرد وكل نظام ديمقراطي في العالم، فغياب خاشقجي هو حضور لقضية الإنسان العربي، غياب خاشقجي هو حضور للهدر الذي يتعرض له الإنسان في هذه البقعة من العالم، غياب خاشقجي هو حضور وتسليط الضوء على الممارسات الصبيانية لهذه الأنظمة، الحضور تجريد بينما الغياب رمزية، عندما يكون المعارض مجرداً فقضيته مجردة معه وسياقها مرتبط بأدائه وتحولاته ولا تصل إلى غيره إلا بمقدار ما يتجه من التجريد إلى الرمزية، ولا يصبح رمزاً إلا إذا ذهب ضحية لتمسكه بقضيته أو دخل في سرداب الغياب تأبيداً لها. حضور جمال خاشقجي اليوم أشد سطوعاً من أي وقت مضى كان فيه ضيفاً على قناة عالمية أو كاتباً في جريدة عالمية، إنه يحضر اليوم كقضية إنسانية بعد أن كان حضوره كمواطن سعودي وشخصية صحفية. [email protected]