31 أكتوبر 2025

تسجيل

أخي جاوز الظالمون المدى!

15 أكتوبر 2015

كلمات قالها الشاعر الكبير علي محمود طه في نهاية خمسينيات القرن الماضي، واصفاً فيها ترتكبه "إسرائيل" من مذابح ومجازر ليس بحق الفلسطينيين فحسب، وإنما بحق الأمة العربية بأسرها، فمذابح دير ياسين مرورا بمذابح بحر البقر وقانا الأولى والثانية وصولا إلى الهولوكوست اليومي لأطفالنا، قديمها وجديدها، والمذابح الحالية التي يرتكبها جيش الاحتلال والمستوطنون والمستعربون، تثبت بما لا يقبل مجالاً للشك، أن إسرائيل لا تستهدف الشعب الفلسطيني فقط، وإنما الأمة العربية الواحدة بكل شعوبها من المحيط إلى الخليج. ما قبل الصهيونية، حاول غزاة كثيرون تطويع إرادة الفلسطينيين، ارتكبوا مجازر كثيرة بحق شعبنا، لكنهم طُردوا من أرضنا ومن شواطئنا، كانت الأرض الفلسطينية ناراً عليهم، حاول الصليبيون غزونا، فانكسروا وخابت آمالهم وحوصروا في قدسنا. جاء الفرنسيون بقيادة نابليون، لكن أسوار عكا بقيت صامدة أمامهم وارتدوا يجرون أذيال الخيبة، جاءت الصهيونية ومن بعدها وليدتها إسرائيل لترتكب المجازر والمحارق، حتى باتت هذه المعاناة جزءاً من تاريخ المنطقة، لكن إرادة شعبنا لم تُطوّع، وبقي الفلسطينيون وصمودهم مثل أشجار زيتوننا ومناراتنا البحرية وورودنا وقمحنا، ومثلما ارتدّ أولئك الغازون، سيرتد هؤلاء الصهاينة، طال الزمن أم قُصُر.من قبل: كتبت في العزيزة "الشرق" عن حتمية زوال الكيان الصهيوني لأسباب داخلية فيه ولأخرى خارجية. اليوم أفصّل في أحد أسباب مقالتي تلك. وأقول: أن يكون نظام ما فاشيا في سلطته ونهجه وممارسته واعتداءاته المستمرة على الآخرين في محيطه.. يعني: أنه يرسم طريق اندثاره، ويحفر قبره بيديه، هذا في حالة البلد الذي يعيش نظامه الفاشي على رأس سلطة بلده، فكيف بفاشية بنت دولتها على أرض اغتصبتها عنوة وبالتعاون مع الدول الاستعمارية لتكون رأس جسر لها في منطقة غريبة عن الطرفين؟ كيف بنظام فاشي يقوم باقتلاع سكان البلد الأصليين وتهجيرهم، واستقدام مهاجريه من شتى أنحاء العالم ليكونوا سكان البلد المحتل، الذي يدّعون الحق فيه زورا وبهتانا؟ كيف بنظام يمارس العنصرية البغيضة في سياساته تجاه كل الآخرين؟ كيف بنظام سياسي اعتبرت الأمم المتحدة أن مصدره الأساسي والنبع الذي يستقي منه النهج والأساليب الممارسة: الصهيونية. ظاهرة عنصرية وشكلا من أشكال التمييز العنصري؟ الكيان الصهيوني هو كل هذه الصفات مجتمعة، ولكن بشكل أكثر تطورا، أكثر وحشية وعنفا وهمجية. إنه نظام سياسي وصل إلى مرحلة ما بعد الفاشية، ما بعد النازية، وما بعد العنصرية.. إنه نظام سوبرفاشي، سوبر نازي وسوبر عنصري، بالتالي من الطبيعي والحالة هذه أن تكون حتمية اندثاره أسرع بكثير من زوال الأنظمة الشبيهة الأخرى على المدى التاريخي القديم والآخر الجديد.العدوان الصهيوني الحالي، هو حلقة من سلسلة متواصلة للحروب والاعتداءات الصهيونية على الفلسطينيين وعلى الأمة العربية منذ إنشاء دولة الكيان حتى هذه اللحظة، العدوانية هي إحدى متلازمات وجود إسرائيل وسماتها. كل الذي تغير مثلما قلنا: هو تطور أدوات ووسائل القتل والتدمير الصهيوني، وتطور أساليب الكيان النازية، لم تختلف إسرائيل منذ بدايتها وحتى الآن، مثلا، في وجود متغيرات فيها تجنح نحو التعايش مع الآخر والسلام معه. بدليل أيضا: ما تعبر عنه الإحصاءات المتعددة التي تجري في الكيان، من أن التطور الأبرز، هو أن الشارع الإسرائيلي يتجه نحو المزيد من اليمين والتطرف. من زاوية ثانية، أدركت شعوب العالم في تجربتها المرة مع النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية، ألا تعامل مع الظاهرتين إلا بالقضاء عليهما واجتثاثهما من الجذور. إسرائيل ليست استثناء من القاعدة التي هي بمثابة القانون، الظروف المحيطة هي المختلفة، كذلك حجم تأييده من قبل حلفائه الإستراتيجيين، هذه مسألة خاضعة للتغيير ولن تكون ثابتة، كما أيضا موازين القوى هي أيضا قابلة للتعديل. لذا، فإن من يؤمن ويعتقد بحتمية زوال إسرائيل، يبدو في نظر كثيرين وكأنه في العصر الخشبي وإنه خارج إطار التاريخ والزمن، وإنه بعيد عن الواقعية والموضوعية. بالتأكيد فإن هؤلاء المتهِمين (بكسر الهاء) يعتقدون باستحالة إزالة هذه الدولة، بالتالي فهم يتفاوضون معها، ويوقعون اتفاقيات سلام مع قادتها، ويرون أن وجودها أصبح واقعاً مفروضاً، وأنها تملك من عناصر القوة ما لا يؤهل الفلسطينيين والعرب جميعاً من الحديث، حتى عن إمكانية إزالتها، فهي مزنّرة بالسلاح النووي وأحدث ما تنتجه مصانعها ومصانع حليفتها الإستراتيجية: الولايات المتحدة وعموم الدول الغربية، من أسلحة.بالمقابل، هناك المؤمنون والمعتقدون بحتمية زوالها، لأسباب كثيرة: دينية وقومية ووطنية وديمقراطية أيضاً، ومن هؤلاء: المتابعون للداخل الإسرائيلي بكل تفاصيله. ونتيجة معرفتهم الدقيقة للتفاصيل يرون باستحالة التعايش مع هذه الدولة، فعدوانها الدائم والمستديم هو الذي يؤسس لبداية نهايتها، فهي ترفض كافة الحلول التي جرى تقديمها إليها: حل الدولتين، فالواقع يشي باستحالة هذا الحل، وطبيعة الحقائق التي تفرضها على واقع الضفة الغربية يجعل من الاستحالة بمكان أن يرى هذا الحل النور. حل الدولة الواحدة هو أيضاً مستحيل مثلما هو حل الدولة الثنائية القومية وحل "دولة لكل مواطنيها" الذي طرحه البعض، فإسرائيل تطمح إلى بناء دولتها اليهودية. والصهيونية ستظل صهيونية، والعقيدة التوارتية- التلمودية هي الخلفية التي أسست ولا تزال للعنصرية الصهيونية، وللعدوان ولارتكاب المجازر، وللاستعلاء، وإبقاء حالة الحرب مفتوحة على الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين أيضا. كثيرون من المعتقدين باستحالة الإزالة يتساءلون: وماذا سنفعل بما ينوف عن خمسة ملايين مستوطن وهؤلاء يعيشون على الأرض الفلسطينية، بالتالي فأين يمكنهم الذهاب؟ وفي الإجابة نقول: إن عقوداً من اللجوء للفلسطينيين لن تزيل حقوقهم في العودة إلى بيوتهم وبياراتهم وأرضهم ومدنهم وقراهم. ومن حق هؤلاء العودة إليها، وليس المعتدى عليه هو المطالب (بفتح اللام) بالأجوبة وإعطاء الحلول للمعتدي، فالأخير هو الكفيل والمفترض فيه أن يجد الحلول لقضاياه. الحل يكمن بعودة المستوطنين المهاجرين إلى دولهم التي يمتلكون مواطنتها وجوازات سفرها، هذا أيضا ما طرحته إحدى الإعلاميات الأمريكيات منذ سنوات. وجرى مباشرة اتهامها بالتهمة الجاهزة "العداء للسامية" وجرت إقالتها من عملها!.وفي الختام نذكّر بأن أكثر المتشائمين لم يتوقعوا انهياراً للإمبراطورية البريطانية التي لم تكن الشمس تغيب عن ممتلكاتها ولا الإمبراطورية الرومانية، وغيرها من الإمبراطوريات ولا بإمكانية انهيار الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية، هذا الحال سينطبق على إسرائيل أيضاً، فصلفها وعنجهيتها لا تقوم بفعل سوبر مانياتها، بل بالقدر الذي تقوم فيه على ضعفنا.نحن تبقى الحقيقة الأكيدة بأن مآل الكيان إلى زوال، لا نقول ذلك بشكل عاطفي انطلاقا من دوافع رغبة ذاتية وتمنيات فقط. ولا انطلاقا من مجرد الكلام لأجل الكلام فقط.. وإنما على خلفية التحليل العلمي الدقيق لهذه الظاهرة الإسرائيلية. التحليل المبني على متابعة حثيثة لكل شاردة وواردة مما يحدث داخل هذا الكيان. وعلى خلفية تجارب التاريخ وتعامله مع الظواهر الشبيهة بفاشية الكيان... بالتالي: فإن كل ذلك يولد حتمية الإيمان بمثل ما أقول.