11 سبتمبر 2025

تسجيل

بوادر أزمة خانقة تربك أسواق المال

15 أكتوبر 2014

تجددت مخاوف أوروبا من عودة الأزمة المالية إلى المؤسسات الاقتصادية وأسواق المال، وفي ظل انكماش النشاط التجاري في اليورو، وتباطؤ مؤسسات الغرب في إقامة إصلاحات جادة، وتزامنت أيضا مع تفجر أزمة العقوبات الغربية على روسيا، التي بدورها قلصت من النشاط العام للأسواق.وقد وجدت تلك المخاوف أرضية خصبة في أوروبا مع بروز عوائق الإصلاحات الاجتماعية والتقاعدية والمالية للمؤسسات في دول حصلت على دعم مالي من البنك الدولي، لكنها لم تتمكن من تحقيق خطوات ملموسة. فقد تابعنا مؤخراً عمليات البيع الكبيرة في أسواق المال العربية والأجنبية بسبب خوف المستثمرين من أزمة مالية، ولجوئهم إلى شراء الذهب والعقار كمدخرات أكثر استقراراً.كما طفت على السطح قضايا سياسية، مثل نزاعات الشرق الأوسط، وتنامي ظاهرة العنف والمظاهرات، والتجمعات المطالبة بالإصلاحات والبطالة، وانتشار الفقر والأمراض والأوبئة، التي امتدت آثارها جميعا إلى الأنشطة الاقتصادية القائمة، وأثرت سلبا على المشروعات التنموية المستقبلية.ومما يزيد الأسواق قلقاً أنه إذا واجه العالم حقيقة.. أزمة مالية، فستكون خانقة، لكون عالمنا اليوم يعاني من التمزق السياسي بسبب النزاعات المسلحة والاضطرابات من جهة، ومن هشاشة المؤسسات المالية التي ليست قادرة على تجاوز أزمة 2008 من جهة أخرى.ومما يزيد الأمر سوءاً أنّ الكيانات الاقتصادية في عالمنا اليوم لم تعد قادرة على مواجهة أزمة جديدة، بسبب تشعب الجهود التي تبذلها إزاء مشكلات قائمة مثل البطالة والمطالبات الإصلاحية والخلافات السياسية وتنامي ثورات الربيع العربي، وكذلك انتشار مرض الإيبولا الفتاك وكورونا اللذين سيكلفان الاقتصاد العالمي مليارات الدولارات للقضاء عليهما.ففي أزمة انهيار البنوك في 2008 كان الاقتصاد العالمي موجهاً بمؤسساته المالية والتجارية وأنظمته التشريعية والإجرائية إلى إنقاذ بنوك دول أوروبا، وتقديم الدعم، سواء من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو على شكل قروض الاتحاد الأوروبي في سبيل احتواء الأزمة.وكثيرون يرون أنّ الفكر الاقتصادي لم يتمكن من التخلص من آثار الأزمة المالية السابقة ولكنه استطاع احتواء آثارها بالقليل من القروض والإصلاحات وتغيير الأنظمة.فقد ساور القلق خبراء النقد والبنك الدوليين في اجتماعاتهم المكثفة المنعقدة حالياً من بوادر حقيقية لأزمة تلوح في أفق الاقتصاد العالمي.ورأى هؤلاء أنّ الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة نمو سيئة، ووصفوا اليورو بنقطة سوداء بسبب الانكماش وضعف التضخم، فيما إفريقيا تعاني من فيروس الإيبولا الذي يهدد نمو القارة بأكملها.وأنه رغم بعض الأمل في انتعاش الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والدول الناشئة، ونمو المكسيك في مجال الاتصالات والنفط، والتعليم في البلدان الناشئة، والاستثمار في القطاعين العام والخاص بألمانيا، كما ورد في تقرير البنك الدولي إلا أنّ المخاوف موجودة. ورأى خبراء عالميون أنّ الحلول كما جاء في اجتماعات أوروبا تكمن في الإصلاحات الهيكلية وإعادة النمو في الأشغال الكبرى، مثل الإنشاءات والخدمات، لتجنب تلك المرحلة.وطالبوا بتطوير نظام الخدمات، والأشغال العامة، وإعادة النمو إلى البنية التحتية، وإطلاق مشاريع جديدة، وإصلاح أنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية التي كانت سبباً مهماً في تفاقم الاضطرابات في كل اليورو.ويؤكد البنك الدولي أنّ الاستثمارات الخاصة في مجال البنية التحتية هي دافعة للنمو، لكونها تمول من البنوك، وتتيح الفرص لقطاعات أخرى مثل الخدمات والتكنولوجيا، وتعمل على تحريك عجلة الاقتصاد. أما الغد، فيراه اقتصاديو المال بأنه يتطلب الكثير من الرؤى الإستراتيجية لأسواق المال، بصفته عصب الاقتصاد والتجارة، وقوام المشروعات والتنمية، ويتطلب تشريعات قانونية قابلة للتطبيق على أرض الواقع تجنب المؤسسات المالية الدخول في صفقات وتعاقدات خاسرة.وأشير هنا إلى أنّ المؤسسات المصرفية والتجارية لا ترسم خطواتها المرحلية استناداً إلى بحوث ودراسات تستشرف الغد، كما هو واقعنا الذي لا يستند في عملياته الاقتصادية إلى مؤشرات بيانية، إنما ترسم الواقع من خلال مستجدات الأحداث المتقلبة، التي تتسبب كثيراً في تأرجح أسواق العملات والذهب والمعادن والنفط أيضاً.لذلك نرى أن أزمة 2008 لا تزال آثارها منذ سبع سنوات على المؤسسات الدولية، والحلول غير مجدية وبطيئة، ولم تنقذ البنوك المنهارة من ديونها وكبوتها، بل زادت الأمر تعقيداً بأن تركت تداعياتها على الأنظمة الاجتماعية والسياسية والتنموية الأخرى.فيما ترسم البحوث الاقتصادية ومراكز الرصد البيانية طريقاً للنمو، مبنياً على دراسات فعلية، مشفوعة بقوة الإنفاق والدعم من جهة، وبالإجراءات العملية التي يمكن أن تيسر النشاط الاقتصادي بعمليات تنشيطية وتحفيزية لا تتسبب في إحداث خلل في السوق.