26 أكتوبر 2025
تسجيلككل العائدين إلى من يحبون أعود بعد انقطاع لاستئناف زاوية (من الحياة)، التي يطل عليكم قلمي من خلالها آملة ألا تكون لإقامتي حاليا بالعاصمة البريطانية لندن التي أرسل لكم مقالاتي منها في الفترة القادمة تأثير في كتاباتي فتكون غائمة ممطرة أحياناً كأجوائها، وألا أنقل لكم شيئاً من كآبات الغربة.. في أحد المقاهي اللندنية جلست في انتظار إحدى قريباتي كي نقضي معاً بعض الوقت، وجلست بالطاولة جانبي مجموعة من النساء العربيات يتحدثن بصوت مرتفع أكثر من اللازم، فقد تعالت أصواتهن حتى وصلت للطاولات البعيدة، كانت إحداهن تقول بكل ثقة وتحدٍ: (أنا لست ممن يحب أن يضيع وقته في التفكير في أشياء كثيرة، أنا ممن يحب أن يعيش الحياة بطولها وعرضها، عشن حياتكن ولا تفكرن في ما حولكن من مشاكل وآلام قد تؤثر في أسلوب اهتمامكن بمتعة حياتكن.). وكانت تضرب الأمثال عن نفسها واحداً تلو الآخر عن بطولاتها في كيفية عيشها الحياة بلا مبالاة، فعندما مرض زوجها وكان طريح الفراش لم تعتذر عن عدم دعوة حفل عشاء صديقتها، فلا بد وأن يتعافى إن عاجلا أم آجلا، وعندما جاءها اتصال من مدرسة ابنتها لتبليغها بأن ابنتها مريضة ولديها ارتفاع حاد في الحرارة، وتحتاج لأن تذهب لتصطحبها من المدرسة لأخذها للطبيب، لم تقطع جولتها التسوقية واستمرت حتى نهايتها ثم ذهبت لتسلم ابنتها، ففي النهاية سوف يصف لها الطبيب مسكناً للحرارة، وبفخر قالت إن تلك اللامبالاة من أعظم سمات شخصيتها. أخذت أنظر لهذه المرأة الشابة ويدور داخلي أكثر من تساؤل بشأنها فهل، حقا ما قالته هو الصواب، أم أن ما تعتبره أعظم سمات حياتها، ما هو إلا سياسة خاطئة لإسلوب حياة أي إنسان. هناك فرق كبير أحيانا بين ما نأمله ونقوله أحيانا، وبين ما يفرضه علينا الوقت وإلتزامات الحياة، فمن أجمل الأشياء أننا نستطيع أن نقول كلمات التفاؤل ونعيش الفرح رغم كل ما بنا من ألم، ولكن من أسوأ الأشياء أن نعيش حياتنا بكل فرح تاركين وراءنا ما يستحق أن نعيش ألمه. فلاشك أن أنانية البعض تجردهم من أشياء كثيرة من أهمها مشاعر الألم، التي رغم قسوة عيشها أحيانا فإنها تهذب الإنسان حين يترك لنفسه أن يشعرها ويشارك بها الغير، وهي من تشعره بعدها باللذة الحقيقية لطعم الفرح. ذكرتني هذه المرأة بوجوه مرت في حياتي، كانت تسير حياتها وتعيش على نظرية (عش حياتك)، فقد كانت من أسوأ الأمثلة التي مرت بي من حيث اللامبالاة، وخواء المشاعر والأنانية، التي طالت آثارها أقرب الناس إليهم، وهم شركاؤهم، أو أبناؤهم، الذين تكبدوا خسائر نفسية فادحة بسبب نظرية آبائهم أو أمهاتهم في عيش الحياة بطولها وعرضها، تاركين وراءهم كل مشاكلهم الحقيقية التي تتطلب المواجهة. فنحن خلقنا في هذه الحياة لنعيش أفراحها وأحزانها، ولنخوض معاركها، سواء كان النصر حليفنا أم الهزيمة، وفي الحياة لا النصر يدوم ولا الهزيمة، وفي كل مرة لذة النصر تنسينا الهزيمة، وفي كل مرة أيضا مرارة الهزيمة تعيد لنا الأمل بنصر جديد. وفي النهاية.. (عش حياتك، ليس كما تحب فقط، ولكن من أجل من تحب أيضا..)