14 سبتمبر 2025

تسجيل

"حَمَدْ" يا أميرنا حمد؟

15 أكتوبر 2012

في قطر... أن يجد المواطن المريض نفسه مضطرا للسفر للمشافي الدولية تحت سطوة الألم وشح التخصص والعناية والطاقة الاستيعابية، ليبحث بنفسه عن ملاذ لمرضه العضال على نفقته وتكلفته الخاصة قلنا: "لا بأس"، ولكن أن يقوم بنفسه بعد رحلة العلاج بإحضار تقاريره الحرجة للمتابعة في مستشفاه الوطني الوحيد فلا يجد العناية والمتابعة المفروضة.... فإنها قمة الفوضى والانحدار نحو الهاوية. في قطر... تضخم عدد السكان تضخما حلزونيا في غضون سنوات قليلة في ظل عجز بنيوي واضح للمرافق العامة، لم يواكب تطور قطر وسمعتها الدولية حينما تعجز بنية المستشفى وطاقته الاستيعابية وتضعف أنظمة تقنيات المعلومات والمتابعات لعدد يسير من سكان شعب لوطن قيل إنه الأغنى في العالم وشعبه يمثلون فقط اقل من 300 ألف نسمة ولعدد أكبر من سكان ينمو بشكل مفاجئ لنتقاسم نحن والمقيمون جميعا حبة فول نخرها السوس. في قطر... تراجعت حقوق المواطنة، بل بتنا — في مفارقة عجيبة — نطلب المساواة على الأقل في الخدمات بيننا وبين غيرنا من الجدد إن لم يكن في مستشفى فعلى الأقل في تأمين شامل محترم، فلم تهيأ بُنى قطر التحتية لهذه المليونية لعددنا وعدد اخوة لنا رغم ان ذوي العيون الزرق منهم — دوننا ودون المقيمين — متنعمون بتأمين صحي يهيئ لهم العلاج في اي مشفى دولي وبأي ثمن!! وانا اشهد على ذلك لأني عاصرت مهنيا من كان تأمينه يصرف مباشرة لشركة في بلده للعلاج في "موطن الاستقدام" أو أي مشفى عندما رفضوا تأمينا للعلاج في مستشفى حمد، وفي الوقت نفسه يُدفِّعون المؤسسة قيمة علاجهم الطارئ ايضا في "المستشفى الأهلي" بالتعويض المباشر.. وهلم جرّا. في قطر... شهدنا سقطات تخطيط بنية النظام الصحي الذي تجرعنا مرارته، إذ وعدنا منذ عام 2000 بان مباني"الدوحة 2006" التي بنيت وقتها على قدم وساق وجهزت بسرعة البرق لمناسبة رياضية كالعادة ستكون من نصيب مدينة حمد الطبية، ولا يعلم مصيرها الى اليوم وقد مرّت ست سنوات اخرى لنكتشف انها "عجَافٌ" فهي غير مؤهلة للانتقال والاستخدام الطبي..كما يقال.. في قطر... يقف مرضى الحالات الحرجة على حافة الموت في طوارئ مهترئة يعتقد من يراها انها تنتمي الى افقر بلدان الدول النامية هذا ونحن في "الوطن المحسود" الذي أُوقِف فيه بئرا نفط على الصحة والتعليم، وهي — في مفارقة — اول مصادر دعم وتمويل كل بلدان العالم المنكوبة من الأزمات والكوارث الطبيعية، البشرية والسياسية. في قطر... مريض الطوارئ منكوب.. فحين يصل بالاسعاف يجد اكتظاظا بشريا هائلا لم يسبق له مثيل فيبقى سريره في الممر او على القارعة أو يدار به من جناح الى جناح حتى يزمجر الطبيب لأهل المريض دون ان يرى حالته من بعث بك الى هنا؟ فيطرد سريره لجناح آخر ليكتشف بعد الفحص وبعد ان ركن في جناح الحالات السريعة غير الحرجة انه يعاني مرضا خطيرا على صحته يستدعي الإقامة الجبرية اما في وحدة الاقامة القصيرة او في العناية المركزة ولكن بعد ماذا؟ في قطر... قيل ان هناك تعاقدات مع أنظمة دولية سواء في خطط الطوارئ او الصحة العامة او الرعاية الأولية، هذا وجُلّ ما رأيناه من مخططات التطوير مجرد ارباح تدرّ على شركات الأجهزة فقط من "التنبية الإلكتروني" "البليب" في غرف الاستراحة، والرسائل النصية او الاتصال للتذكير بالموعد ولكن لأي خدمات أو لأية مواعيد يا اهل قطر؟ لمواعيد لا نحصل عليها الا بعد ستة اشهر يموت فيها الميت ويحيا الحي،هذا وقد كتب طبيب المركز على طلب التحويل لحمد او على الأشعة وما ماثلها "عاجل جدا " فتجد الموظف يقول لك: ما عندنا مواعيد والله، هذا ابكر موعد الكمبيوتر مش راضي يعطينا." فتنقلب قضية الأحقية في موعد مهم الى "حبّ خشوم" و"واسطات" أو حتى "ابتزاز" أو "تذلل" لممرض او ممرضة او طبيب من غير جنسياتنا علّهُ يدخلنا لنتعالج في بيتنا. وحتى في المركز الصحي نفحص كل مرة عند طبيب مختلف في بلد وعد بتطبيق أنظمة المعلومات الإلكترونية ومفهوم طبيب الأسرة فخاب ظننا. في قطر... كمبيوتر مؤسسة حمد يعد من موروثات العصر الحجري، اذ يفتقر النظام الى ادنى درجات الربط الطبي الإلكتروني والأرشفة التقنية لمعلومات المريض وملفه الواحد بين مختلف العيادات، حتى إذا ما ألم به خطب جلل وجد نفسه تحت الأجهزة وحوله عدد غفير من الأطباء ولكنهم لا يعلمون وللأسف تاريخ حالته او مؤثراتها خصوصا اذا كانت الحالة مشتتة بين مستشفى وآخر في الدولة — وعددها يعد على الأصابع — لا يفصلها عن بعضها البعض سوى أمتار جغرافياً ولمح البصر الكترونياً ولكن ينطبق عليها القول: "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى". في قطر.. ذكرتني سياسة الإحلال والإبدال لأجنحة المستشفى بالرجل المعيل بفتيات في بيت صغير وهو "على قد حاله" ينتظر أن يُطرَق بابه ليزوج إحداهن حتى تخلو الغرف لأخواتها وهذا ما حصل عندما تكّرم علينا المستشفى بعد سنوات عجاف بوحدة الإقامة القصيرة والطوارئ في الدور السادس بعد ان انتقل قسم القلب الى بيت الزوجية الجديد. ولكن ما زالت الفتيات في شجار عنيف على الغرف وربما كان الحل سرير "بو طابقين".. إنها إدارة الطوارئ حين يفترض ان تكون إدارة تخطيط واولويات؟ في قطر... لا يفوتنا أن نشيد ونفخر بعدد كبير من الأطباء القطريين والمقيمين لمهنيتهم العالية واهتمامهم الكبير ولكن "لله درّهم" إذ يئنون تحت ضعف بنية المبنى الاستيعابية ليس للمرضى فقط بل للتطبيب ولمناوباتهم فيأكلون وحدهم احتدام غضب الأهالي وحنق المرضى ليحدث ما يحدث كما حصل في المشاجرة والضرب في الطوارئ الصيف الماضي وان كنا لا نقبله ولا نرتضيه من مريض على طبيب لا ذنب له، ولكن قبل ان يُسائِل وزير الصحة — كما ذكر للصحافة — الشخص الذي ضرب الطبيب: لمَ ضربه؟ دعونا نسأل الوزير نفسه لِمَ حدث ذلك؟ علّه يبحث عمّا وراء الحدث؟ عن "مَا ومَنْ" الذي قاد المرضى والأطباء الى حالة من العنف داخل أروقة الطوارئ؟ وعن دوره أولا في الوقاية من ذلك قبل علاجه. في قطر... لا يفوتنا بالطبع أن نسلم بالشكر على النعمة العظيمة بأن الخدمات الصحية مجانية للمواطن ورمزية للمقيم ومكفولة مهنيا وتأمين صحي للموظف المستقدم، وان دولة قطر لا تألو جهدا في إرسال المرضى في الحالات الصعبة والمستعصية الى أعرق المستشفيات الدولية طبيا وتحمل كافة تكاليف العلاج والإقامة بمرافق، ونسلم بنعمة الأجهزة الحديثة والدواء المجاني ولكن لا يعني كل ذلك أن توضع الأجهزة في سراديب لا يمكننا التطبب بها، فلا نصل لا اليها ولا الى طبيبها، ولا يعني ان نصل الى هذه الخدمات المهمة بمذلة أو واسطة أو بعد ان نموت امام الطوابير سواء العلاجية او "للجنة العلاج للخارج"، ولا يعني ذلك ان نكون — نحن القطريين — آخر الطابور لأن عددا لا بأس به من جنسيات القائمين على الصحة يحابي جنسيته وأهله. ولا يعني ذلك ان تظل الخدمات الصحية الرئيسة بدائية خلف الركب، وخلف عدد السكان في قطر وخلف تطور قطر الضوئي وبَعْدَ اهتماماتها الثقافية والرياضية، وخلف الحقوق المدنية للمواطن خصوصا في ظل انعدام التأمين الصحي وعدم جدوى تطبيقه فيها دون تخطيط مسبق، نظرا لشح المراكز الطبية البديلة المؤهلة والمتكاملة تخصصيا وفنيا ومهنيا وأكرر فنيا لا تجاريا. ولا يجوز قبل كل شيء ان يظل "المتأخّر حمدْ" خلف رؤية القائد الرائد المتقدم "حَمَدْ"... لَعَمْري إنها لمفارقة تكلف الأرواح.