14 سبتمبر 2025

تسجيل

بين عشر ذي الحجة وعشر رمضان

15 أكتوبر 2012

القرآن الكريم ابتدأ نزوله في عشر رمضان الأخيرة واكتمل في عشر ذي الحجة الأولى مضى رمضان، وتصرمت لياليه الفاضلة وأيامه المباركة، ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر، وبعده بدأ الفتور يغزو القلوب، كما بدأ منحنى الإيمان في الهبوط مرة أخرى عند الكثيرين إلا من رحم الله، ولكنه عز وجل دائم العطاء والمنّ، يلاحق عباده بأسباب المغفرة وموجبات الرحمة وفي الحديث:" افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده ". فهلا تقبلت أخي المسلم وأختي المسلمة هذه المنحة الإلهية؟ والنفحة الربانية الآنية وهلا - بإخلاص - أكثرنا من الأعمال الصالحة من صدقة وصيام وتلاوة للقرآن وصلة الرحم وإطعام المساكين. والدعاء بخيريِ الدنيا والآخرة، لك ولإخوانك المسلمين، الأحياء منهم والأموات، ولأمر ما وسط آيات الحج جاء الدعاء الجامع:"رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار". ومن هذه الأعمال الصالحة نشر العلم الشرعي وردُّ المظالم إلى أهلها مع حفظ الجوارح، سيما السمع والبصر واللسان. فمن عجز عن ذلك كله فليكفَّ أذاه وشره عن الآخرين. إلى غير ذلك من أعمال البر وشعب الإيمان فأبواب الخير كثيرة لا تنحصر، ومفهوم العمل الصالح واسع شامل ينتظم كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فينبغي لمن وفقه الله، أن يعرف لهذه الأيام فضلها، ويقدر لها قدرها، فيحرص على الاجتهاد فيها، ويحاول أن يتقلل فيها ما أمكن من أشغال الدنيا وصوارفها، فإنما هي ساعات ولحظات ما أسرع انقضاءها وتصرمها، والسعيد من وفق فيها لصالح القول والعمل. والفرص سوانح قلما ترجع إذا فاتت والعمر قصير والقدر غائب وأمر الله غالب.. فهلا شمرنا عن ساعد الجِد في هذه الأيام، واستعنا بالله على الطاعة فيها، فهو المُوفق والمسهل والمساعد في كل وقت وآن، ولقد اختار الله تعالى من الأيام والليالي أياما وليالي جعلها مواسم خير، وأيام عبادة، وأوقات قربات، وهي بين أيام السنة، كأوقات الضحى من النهار، قليلة عزيزة وبين لياليها كالساعات الأولى عند انبلاج الفجر، ما تلبث أن تذهب سريعا، والرشيد السعيد من تعرض لها، ونهل من خيرها، ومن هذه المواسم النيرات، والنفحات المباركات، أيام العشر الأول من ذي الحجة الحرام، فقد آثرها الله على ما سواها، فرفع من شأنها واجتباها، وجعل ثواب العمل فيها أعلى من ثوابه فيما دونها، علاوة على ما خصها الله تعالى به من أعمال فريضة الحج التي لا تكون في غيرها. وإن إدراك هذه العشر نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على عباده، لأنه يدرك موسماً من مواسم الطاعة التي تكون عوناً للمسلم - بتوفيق الله - على تحصيل الثواب واغتنام الأجر، فعشر ذي الحجة "هذه هي الأيامُ العشر التي أقسم اللّه بلياليها في كتابه بقوله: ""وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ"، بل ورد أنها هي العشر التي أتمها الله - تعالى - لموسى - عليه السلام -، والتي جاء ذكرها في قوله  تعالى —: "وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ"، وقال ابن كثير: (وقد اختلف المفسرون في هذه العشر ما هي؟ فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة والعشر عشر ذي الحجة... فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر، وحصل فيه التكليم لموسى - عليه السلام -، وفيه أكمل الله الدين لمحمد - صلى الله عليه وسلم - كما قال - تعالى -: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً". ويوم النحر هو يوم التقرب إلى الله - تعالى - وتوحيده بالنسك العظيم، في أكبر مشهد لتوحيد الله - تعالى - بهذه العبادة، التي ضل فيها كثير من الناس فقدموها لغيره - سبحانه - من الأصنام والأوثان والقبور، ومن ثم جاء التنبيه على توحيد الله - تعالى - فيها في آيات عديدة، كما في قوله - تعالى -: "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ"، أي: وانحر لربك ذبيحتك له وعلى اسمه وحده، وأمر عز وجل بذكر اسم الله - تعالى - وحده لا شريك له على الهدايا والأضاحي، فقال: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ"6، "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ"، "وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ...". فعلى المسلم أن يستشعر هذه النعمة، ويستحضر عظم أجر العمل في هذه العشر، ويغتنم الأوقات، وأن يُظهر لهذه العشر مزية على غيرها، بمزيد الطاعة، وهذا شأن سلف هذه الأمة، كما قال أبو عثمان النهدي - رحمه الله -: (كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأَوَّلَ من ذي الحجة، والعشر الأَوَّلَ من المحرم ). ولم لا وقد ابتدأ نزول القرآن الكريم في العشر الأخيرة من رمضان في ليلة القدر واكتمل في العشر الأول من ذي الحجة بنزول قوله تعالى يوم عرفة:"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا"((والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا)). وقال تعالى: ((وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السموات والأرض أُعدّت للمتقين)) ومن فضل هذه الأيام العشر أن العمل الصالح فيها لا يضاهيه عمل، ولا الجهاد في سبيل الله، إلا خروج الرجل بكل ما يملك، لا يرجع بشيء من هذا كله. ومن الأدلة على فضل هذه الأيام العشر من شقي الوحي الكتاب العظيم والسنة النبوية المطهرة ما يأتي قال تعالى:" لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ" قال ابن عباس - رَضِيَ الله عنهما -: الأيام المعلومات أيام العشر، وهو مذهب الشافعي والمشهور عن أحمد بن حنبل. وهذه العشر مشتملة على يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر ويوم القر، وقد ورد الحديث بأنها أفضل أيام الدنيا،فى الحديث " أفضل أيام الدنيا العشر - يعني عشر ذي الحجة - "، وقد فضّل هذه العشر كثير من العلماء على عشر رمضان الأخير، لأنه يشرع فيه ما يشرع في تلك من صلاة وصيام وصدقة وغيرها، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه.وقال تعالى:" وَالْفَجْرِ *وَلَيَالٍ عَشْرٍ"، المراد بها عشر ذي الحجة وهو قول ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف رَضِيَ الله عنهم ". هذا والله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وتقبل الله صالح الأعمال وغفر ما دون ذلك وبالله التوفيق.