23 سبتمبر 2025
تسجيلمناظر لا تغيب رؤيتها عن الكثير باستنكار وألم ، تتكرر في المناسبات بأفراحها وأحزانها ، في الاجتماعات العائلية التي ينتظرها الجميع بشوق وحميمية ، وعلى مقود السيارات ، في المقاهي والشواطئ ، في الحافلات وغيرها فقدنا معها القيمة المكانية والزمانية والجمالية التي نحن فيها ، حتى أصبح الصمت سيد الموقف ، لا نستطيع التغلب عليها سرت في الجسد المجتمعي كالهشيم بين الكبار والصغار حتى تحولت إلى ظاهرة بل عادة سلوكية غير مستحبة ، فقدنا معها لغة الحديث والحوار والتواصل المباشر ، كما فقدنا لغة الألفة والحميمية والمودة ، الكل عقله وفكره ومشاعره مع هذا الجهاز الصغير الذي يحمله بين يديه وينقله إلى عالم آخر بعيدا عن واقعه ، يقلب صفحاته ، يبحث عن كل جديد ، يسابق الآخرين في نشر محتوياته ، لا يستشعر ولا يحترم ولا يهتم بمن حوله ، إنه الإدمان واللاوعي الذي وصلنا إليه في تعاملنا مع هذا الجهاز الإلكتروني الصغير الذي نحمله «الهاتف الذكي» وكلما التصقنا به زادت الهوة بيننا وبين الآخر، وفقدنا التواصل المباشر مع الآخرين ، أليس هذا ما يحدث !! ماذا نرى !! وماذا ننشر !! وماذا ننقل !! صفحات إلكترونية موشحة أغلبها بكلمات عارية عن الصحة والصدق تتناقلها العقول بحذافيرها دون تمعن وتفكر بمصداقيتها ومصدرها ، نرفضها ثم نتداولها وننشرها . فالكثير منا يجمع على أن شبكات التواصل الاجتماعي باختلافها « فتحت المجال لزرع بذور الفتن و الخلافات واتساع دائرتها ، بل تجاوزت أسوار البيوت الآمنة والمحافظة لتنقل بمرآتها العاكسة ومن بين ردهاتها ودورها الأسرار والتفاصيل والخصوصيات بحذافيرها و تعرية وتشويه أفرادها ، ومع ذلك مازالت دائرتها تتسع ، وأضرارها تمتد ومازلنا نتعامل معها ونتأفف ونشتكي ونستنكر، على مستوى المجتمعات والدول والأفراد ، وإلا فبم نفسر ما يحدث لنا الآن ، دول تخاصمت مع بعضها ، و أسر تفككت أفرادها ، وشباب انحرفت سلوكياتها وأخلاقها ، وعقائد وديانات تضرب في بعضها ، وألفاظ خرجت عن قيمها وأدبها، وفتيات تعرّت أجسادها وأوقات لم تؤت ثمارها، ومنها فقدنا الإدراك ما بين القويم والمنحرف وما بين العاقل والجاهل وما بين الصدق والكذب وما بين السياسي والطبيب ، وما بين المثقف والسفيه، كلُّ يدلي بدلوه يحلل ويخمن ويؤكد وينفي ويكذب وينقل وينافق ويدلس ويشتم ويعظم ، هذا ما يدور على صفحاتها ، حتى أدمنت الشعوب تلك الدوامة التي لا نهاية لها ، تسارع وتسابق لنقل الأخبار والتحليلات والأعراض يشوبها الكذب من خلال تويتر ، وتسابق على عرض المفاتن والعري والخصوصيات في السناب شات ، وبروز مشاهير السوشيال ميديا والفاشينسات دون احترام لمبدأ القيم المجتمعي ، والسمعة الأسرية من أجل المال والشهرة ، وجذب الملايين من المتابعين ، هكذا طوّع الكثير من المستخدمين منصات التواصل باختلافها حتى أصبحنا فعلا كما قال المتنبي : «أمة ضحكت من جهلها الأمم .»وسنبقى على تلك الإشكالية الجاهلة من السطحية في كيفية استخدام منصات التواصل ما دامت إلى الآن عقولنا مرتبطة بالشائعات المجهولة، والسرعة في نشرها وتصديقها والشعارات الأيدلوجية التي توافق هوانا ، حتى إذا لم توافق المنطق والعقل والعلم والتاريخ والقيم. وما دام تركيزنا على ما تنتجه الشركات باختلاف مسمياتها ومنتجاتها من جديد في عالم الموضة والتجميل والأطعمة وغيرها. ومادمنا نبحث عن وكر الفتن لنشرها . واقع مؤلم نعيشه مع واقع الإعلام البديل الذي هيمن على حياتنا وتجاوز المنظومة الثقافية والمعلوماتية وسريانها في العقلية الإنسانية إلى منظومة أجندتها التحفيز والإثارة والتحريض والكراهية والإباحية والتزوير وغيرها من المصطلحات التي شاع بريقها مع تلك الهيمنة الإعلامية البديلة ووجدت أرضية ممهدة لتفعيلها والترويج لها ومسايرتها. مع وجود الفكر العقيم الذي يبحث عن الشهرة والتشهير وأيا كان ثمنهما على حساب فقدان الأخلاق والدين والقيم. .ولكن إلى متى نصبح عبيدا لها وحراسا لشاحناتها، من تويتر إلى الإنترنت إلى السوشيال ميديا إلى السناب شات إلى الواتساب ،السلفي إلى الفيس بوك جميعها دائرة واحدة تجاوزنا معها مرحلة الخطر، تسلب منا الوقت والفكر دون أن نستطيع التحكم في إغلاقها .. إنها حالة الإدمان المرضي الذي وصلنا إليه في تعاملنا معها، هل نحذر منه ونتجنبه !!! . [email protected]