14 سبتمبر 2025

تسجيل

للأسف..الاتفاقات ليست فى المصلحة الآن!

15 سبتمبر 2016

تسيل الدماء يوميا منذ سنوات. وإذ سجل العراق وأفغانستان ما زاد على العشرية الجزائرية السوداء، فقد سجلت سوريا وليبيا واليمن ومصر ما يزيد على السنوات الخمس، أما عدد السنون فلم يعد واردا إخضاعها للعدد في الصومال، فما بالنا بالضحايا. وإذ تتحدث أطراف هنا وهناك في الوقت الراهن، عن اتفاقات وتوافقات وحوارات ومباحثات ومصالحات لحل المشكلات، فللأسف ورغم شلال الدماء المتدفق لسنوات لن يصب ما ينتج عن تلك الاتفاقات، في مصلحة المستقبل ولا في خانة الوفاء للدماء. وللأسف، علينا تقبل هذا التقدير بموضوعية، إذ توازنات القوى الدولية والإقليمية والداخلية لا تزال لمصلحة الثورات المضادة، بما يجعل الحلول التفاوضية لغير مصلحة ثورات الربيع والقوى الحية في الأمة في الوقت الراهن. هذا القول يبدو تحذيريا عند بعض المحللين والقادة السياسيين أنفسهم، بأكثر منه توقعا بوقوع اتفاقات، باعتبار أن الاتفاقات غير ممكنة وربما مستبعدة في هذه المرحلة، بحكم تضارب مصالح الأطراف الاستعمارية المتدخلة بفعالية وبالقوة العسكرية في مختلف الصراعات الجارية، وبحكم أن أعمال المقاومة لا تزال – بمختلف صورها ومصادرها الشعبية والرسمية - في وضعية قادرة على تعويق ومواجهة المشروعات الاستعمارية، وإن لم تبلغ القدرة على تحقيق الانتصار.وإذ يمكن القول بأن كثيرا مما يعرض الآن من اتفاقات وتوافقات عبر أشكال المفاوضات لا يزال عند حدود اختبارات لمدى الوعي والصمود لدى الأطراف الرافضة للمشروعات الاستعمارية والانقلابية بأوجهها الأمريكية والروسية والإيرانية، وأن المباحثات والمفاوضات لا تزال في مرحلة اختبارات القوى بين القوى الاستعمارية وبعضها البعض، فالأهم أن كل ما هو مطروح ويجرى الحوار والنقاش والدعاية بشأنه لا يخرج في الجوهر عن حالة من حالات التوافق على تقسيم المصالح والنفوذ بين القوى الاستعمارية داخل دولنا، من جهة، ولا يخرج من الجهة الأخرى عن الممارسات المعتادة التي تستهدف تطويع إرادة المقاومة وتهدئة ثورات التحرر الجارية – بعد حرف مسارات بعضها إلى صراعات جهوية وطائفية - وفق برامج خداعية إعلامية وسياسية، يفترض أن أمتنا صارت في موقع الوعي بها، بعدما انكشفت أوراق الخطط وباتت الأهداف واضحة وسافرة لا تستطيع الدعايات طمسها أو تغييبها.باختصار، لم تتمكن قوى ثورات الربيع بعد، من تعديل التوازنات لمصلحتها حتى اللحظة بحكم استثمار القوى الاستعمارية وضعية الضعف "الطبيعية" الناتجة عن فترات التحول في الدول والمجتمعات، للاندفاع للتأثير داخل بلادنا، وكما المياه تشق طريقها عبر الأودية المنخفضة، فالدول القوية تنزاح بحركتها نحو مناطق فراغ القوة أو أن القوة الفائضة لدى الدول تصب حركتها باتجاه الدول الأضعف. الآن تقوم الدول الاستعمارية بالاستثمار في الثورات المضادة بأقصى قدر من فائض قوتها، ولذا تأتي التوافقات والمفاوضات لمصلحة القوى الاستعمارية والثورات المضادة.ففي ليبيا، اتضح الأمر جليا، إذ نتج عن اتفاق الصخيرات بقاء حفتر وشراذمه وتثبيت برلمان طبرق وتعميق هوة الانقسام بين الشرق والغرب وتثبيت حكومة موالية للغرب "في الغرب" حتى يمكن القول بأن ما جرى قد اقتصر على إنهاء دور المؤتمر الوطني وحكومة الثورة. وفي اليمن يبدو الأمر جليا هو الآخر، إذ كل المفاوضات والتفاهمات والاتفاقات لم ينتج عنها سوى إطالة زمن الحرب والسماح للثورة المضادة بتعميق وجودها ومنح فرصة الوقت للمستعمر الإيراني لشرعنة دوره ووجوده في اليمن وفتح الباب للتدخل الاستعماري الغربي والروسي. وفي سوريا كما نرى، لم ينتج عن كل المفاوضات سوى اتساع دائرة إسالة الدماء وتفعيل سلاح الحصار والتجويع وتوفير الوقت والفرص لتعويم بشار..إلخ.للأسف، لن تأتي المفاوضات والاتفاقات في الوقت الراهن بأية مصلحه للشعوب، ولن توقف سيل الدماء، وهي ليست إلا حالة من حالات التوافق على تقسيم المصالح بين المستعمرين لا أكثر ولا أقل.