26 سبتمبر 2025

تسجيل

النعمة الزوالة

15 سبتمبر 2012

انتهت الحفلة، وغادرها المدعوون الذين تمتعوا بفقراتها وقضوا وقتا سعيدا، وفي نظرة سريعة إلى طاولات الطعام التي كان يجلس عليها هؤلاء، يثار في نفسك شعور بالألم والحسرة على ذلك المشهد من الفوضى التي تركوها خلفهم، فالصحون مليئة بما لذ وطاب من المأكولات وقد تركوها اما ان لم تمس أبدا، واما انهم قد تناولوا بعض ما فيها، وعبثوا بالباقي الذي تناثر على المفارش البيضاء، وقد ألحقوا بعض العبث في الزهور المرصوصة على الطاولة، لدرجة أنك تشعر انك في مكان معركة لا حفلة زفاف، فهؤلاء قد اصروا على ان تكون صحونهم ملآى بالطعام الذي لم يتأكدوا من حقيقة احتياجهم إليه، وتناسوا أن من قدم لهم هذا الطعام قد أنفق عليه أموالاً كثيرة بهدف إكرام الضيف وتقديرا لحضوره. ورغم أن هذه عادة اجتماعية درجنا عليها إلا أن الكثير من الإساءة وجهت إليها وخاصة انها من عادات الإسلام وآدابه ولكن أصبحت من أسوأ عاداتنا الآن لأننا أسأنا إليها بالإسراف الممقوت في ديننا الحنيف الذي أمرنا بالأكل والشرب وعدم الإسراف. ولكن هذه العادة جعلتنا نسرف في تقديم الطعام، ومن ثم نسرف في عدم احترام النعمة والتمتع بما أنعم الله علينا من هذا الطعام. فما يقدم في حفلات الزفاف ولأوقات العزاء، قد يكلف الكثير من المال وخاصة إننا نصر على الولائم الكبيرة، بل أحيانا نتبارى في إحضار تلك الولائم إلى بيت العزاء لدرجة أن أهل العزاء قد يحتارون في كيفية توزيع الكميات الكبيرة التي تزيد على حاجة المعزين، بل إن هناك صحافا قد تظل على حالها، الأمر الذي يضع الناس في حيرة، وما يرافق تلك الولائم من مشروبات وحلويات. إن مشهد تلك الولائم التي قد تظل على ما هي عليه، ولا يقربها أحد قد يحزن خاصة اننا عندما نتذكر اخواننا في الدول الأخرى وحاجتهم إلى بعض هذا الطعام، نصاب بالحسرة والألم. وان كانت بعض المؤسسات الخيرية قد استطاعت ان تحفظ هذه النعمة، وتعمل على الوصول إلى اصحاب الحفلات، وتتسلم الطعام الفائض الذي لم يمس، وتحاول أن تغلفه وتحفظه ومن ثم تقدمه للمحتاجين فإنها قد لا تتسلم الطعام الذي قد تناول البعض منه، وعبثت به الأيدي وأصبح غير صالح للحفظ. إن الحفاظ على هذه النعمة سبب في دوامها واستمرارها، وخاصة اننا نعتبر من أغنى الدول في العالم بفضل الله عز وجل وفضل حكومتنا الرشيدة وقيادتها الحكيمة التي وفرت لنا الرفاهية والعيش الرغيد ولكن الإسراف فيها والتلاعب في مقدراتنا طريق لزوالها، أو اضمحلالها، وكما يقولون "النعمة زوالة" وقد يحرمها الله علينا، وهنا قد نعرف قيمة ما كان لدينا، وتقدير النعمة وشكر الله عز وجل عليها من أسباب استمرارها، فغدا سوف نسأل عن النعيم الذي كنا نحياه ولم نقدره خير قدره. فلنحاول أن نشكر الله تعالى على ما أنعم به علينا، وان نبتعد عن التبذير والإسراف ليس فقط في الطعام والشراب ولكن أيضا في كل حياتنا، حيث أصبحنا نسرف في اللبس والسفر والترحال والمظاهر الزائفة بشراء كل ما نحتاجه وما لا نحتاجه، وأصبحت حياتنا تقدر حسب ما لدينا من أموال وعقارات وشنط وأحذية – أعزكم الله – من ماركات معينة، نحترم على أساس امتلاكنا لأحد منتجاتنا. والحمد لله على الستر والصحة وقوة الإيمان وهدوء النفس.