19 سبتمبر 2025

تسجيل

الثورة السورية أكبر من ملف للتفاوض

15 أغسطس 2023

على مدى أكثر من عقد فشلت قوى إقليمية ومعها قوى كبرى في حسم الثورة السورية. لقد ظن النظام السوري أن فائض القوة هو من يهزم الشعب الثائر فسارع إلى استدعاء مليشيات طائفية عابرة للحدود لهذا، والذين قدر عددهم رأس النظام أخيراً في مقابلته التلفزيونية بالمائة ألف ونيف من المتظاهرين، بعد أن قدّرهم سابقاً بمائتي ألف، وفي مقابلة ثالثة قدرهم بالمليون، وحين عجز النظام السوري عن هزيمة هؤلاء وغيرهم، بدعم المليشيات الطائفية التي استنجد بها، استدعى قوة إقليمية لهزيمتهم، لكن لم يكتب له ولهم النجاح، فاستنجد في عام 2015 بروسيا للتدخل لمواجهة الثائرين. طوال تلك الفترة وعلى الرغم من كل المؤامرات التي حيكت ودبرت ضد الثورة السورية إلا أن الفشل كان حليف المتآمرين، لسبب بسيط وهو أن الحل يستبعد طموحات وآمال المتظاهرين والثوار الذين ضحوا بكل هذه التضحيات، ومعه عجزت القوى الدولية عن تحويل الثورة السورية لمجرد ملف من ملفاتها التفاوضية البينية. لقد اعتبر البعض منهم هذه الثورة مجرد ملف مخدرات وكبتاغون، وبالتالي لا بد من تسويته والتفاوض على أساسه مع هذا النظام، وذلك لانتزاع تنازلات منه، ولكن هذا النظام الماهر في إدخال الآخرين بالتفاصيل كما قال وزير خارجيته السابق وليد المعلم، لم يعطه شيئاً، ونحن نرى تدفق الكبتاغون بشكل يومي على الدول الساعية لدرء هذه الكارثة عنها، أما البعض الآخر فبحكم احتياجاته الأمنية، فقد اعتبر الثورة وكأنها ملف إرهاب وداعش، فبرمج نفسه وتفاوضاته مع النظام على هذا الأساس، لكن النتيجة لم تكن بأحسن حالاً من سابقه، فجنى بذلك ربما على المدى المتوسط والبعيد تسميماً في علاقاته مع الشعب السوري الثائر، الذي يرى أن قصته مع النظام أكبر من هذا الملف وغيره، ما دام هذا النظام، هو الراعي الأول للإرهاب والدعشنة، وهناك أطراف اعتبرت ما يجري ملف مليشيات كردية انفصالية تسعى إلى إقامة دويلة في شمال شرق سوريا، وهو بذلك يسعى إلى تحقيق احتياجاته وطموحاته بعيداً كل البعد عن تضحيات المليون شهيد سوري، والتي هدفت إلى إسقاط النظام السوري، وتحقيق الكرامة للسوريين، وهناك أطراف أو أغلبها اعتبرت الثورة السورية مجرد ملف لاجئين لا بد من إعادتهم لبيت الطاعة الأسدي بأي شكل من الأشكال، بعيداً عن مصائرهم، وبعيداً عما ينتظرهم من حفرة التضامن، ومن مسالخ قيصر، ما دام هدف هذه الأطراف حلّ مشاكلها الداخلية ولو كان ذلك على حساب اللاجئين. الثورة السورية أكبر من هذا كله، والشام صخرة لا يمكن اختزالها بملف أو ملفين، وأوراق تفاوض، هذه الثورة لا بد أن يحملها أبناؤها، وتتحمل قيادات المعارضة التي فضلت سياسات الدول على مصالح الثورة، المسؤولية الأولى والأخيرة عما آلت إليه الأوضاع، وبلا تحرك شعبي ثوري على امتداد سوريا المحررة، يهدف لاقتلاع الفاسدين المرتشين، واستعادة القرار المسلوب، فإن الكل يدور في حلقة مفرغة. كشعب سوري ثائر، ودول صديقة مؤيدة لهذه الثورة، فهذه الثورة في أساسها وحقيقتها رفعت شعار الكرامة، وهو الشعار الذي نادى به المؤسسون لهذه الثورة، وبالتالي لا يمكن أن تُختصر أو تختزل بملف أو ورقة تفاوض. أما ما يجري على الأرض السورية، وما يشهده كل سوري حر من عملية تخادم بين القوى الإقليمية والدولية على حساب السوريين، فإن هذا سيولد ضغائن وإحناً يصعب معالجتها مستقبلاً، فعملية التخادم هذه وقودها دماء السوريين وعذاباتهم ومعاناتهم التي لن تنتهي، ويتحمل مسؤوليتها بشكل ما، القوى الوطنية الثورية العاجزة عن تأسيس مشروع وطني حقيقي يكون بمثابة مغناطيس جذب حقيقي لكل القوى السورية المهمشة، ومع كل تأخير تحرك لهذه القوى فإن الفاتورة تتعاظم داخلياً واقليمياً ودولياً.