01 نوفمبر 2025

تسجيل

أزمة الغذاء تكشف غياب المنهجية

15 أغسطس 2012

تبدو مخاوف الأسواق العالمية على أشدها من أزمة غذاء تلوح في الأفق أكثر صعوبة من تلك الأزمة التي حدثت في 2008، وتنتظر الأوساط الاقتصادية بترقب شديد بيانات الإنتاج الأمريكي من محاصيل الذرة وفول الصويا التي تشير إلى انخفاض مقلق بسبب الطقس الجاف، إلى جانب قلق عالمي من تأثر اليابان بنقص إمدادات الأرز وتباطؤ النمو فيه بسبب أحوال المناخ المتقلبة، وارتفاع أسعار النفط، وتوقعات عالمية ببلوغ تراكم أقل للحبوب بنهاية المواسم الزراعية في 2013. ويؤكد تلك المخاوف ما توقعته الأمم المتحدة في تقريرها أنّ أزمة الغذاء اليوم هي تحذير للمستقبل، وأنه من المتوقع بلوغ الزيادة السكانية "9"مليارات شخص بحلول 2050، ومن هنا تتطلب الحاجة إلى مضاعفة زراعة الغذاء إلى نسبة "70%".. وقد تكون الحاجة أكثر من ذلك بسبب تنامي أعداد الفقراء إلى مليار شخص جائع، مما يستدعي رفع جهود الاستجابة لتلك الزيادة بتوفير إنتاجيات عالية من الغذاء. وقد طلبت منظمة الأغذية العالمية "الفاو" زيادة حصة الإنفاق على الغذاء لتصل إلى مليارات الدولارات لإنفاقها على الاستثمار الزراعي، ومضاعفة حصة الإنفاق على الدول النامية بمعدل "50%" حتى يمكن الإيفاء بمتطلبات الغذاء بحلول 2050، وأنّ الحاجة ملحة أيضاً لزيادة حجم الاستثمارات إلى "70%" خلال الأربعين سنة القادمة. كما يشخص البنك الدولي الوضع الحالي بناء على المؤشر السنوي لعام 2011 وهو ارتفاعه إلى "24%" عن العام 2010، وأنّ أسعار الأغذية لا تزال مرتفعة مما يترك ملايين البشر فريسة للجوع والفقر وسوء التغذية.. ومع بيانات المخزون الأمريكي سترتفع أسعار الغذاء لتشهد ذروتها. الوضع الراهن للأسواق العالمية يفاقم التوقعات السلبية، فأزمة اليورو لا تزال تراوح مكانها وهناك بوادر اضطرابات مقلقة في أعداد العاطلين عن العمل والبطالة وتقليص حجم الإنفاق على الخدمات المعيشية إضافة ً إلى ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من توترات، انعكست بكل تأكيد على جهود المساعدات الدولية والحراك الإنمائي لمختلف المشروعات في الدول العربية، وبالتالي تراجعت مؤشرات الاقتصاد وأوجه التنمية عموماً بسبب عدم الاستقرار، كما أنّ جهود الأسواق لتفادي المخاوف ليست في مستوى القبول. من قراءتي للوضع الزراعي فإنّ المنظمات الدولية تبذل جهودا مضنية لتفعيل القطاع الزراعي في الكثير من الدول، وهناك موازنات ضخمة مرصودة لها.. فقد بلغت المساندات المالية التي رصدها البنك الدولي مثلاً في 2008 أكثر من "1،2"مليار دولار وزيدت إلى أكثر من "ملياريّ دولار في 2009 وتمّ مد أجل تلك المساعدات في 2012 استجابة ًلطلبات الدول الأشد تضرراً من الزيادة الكبيرة في الأسعار.. كما تبلغ قيمة برامج التصدي للكوارث الغذائية اليوم أكثر من "1،5"مليار دولار، ووزع منها "82%" على "47" بلداً.. وإذا نظرنا في واقع الحال فإنّ الخطط غير موجودة تطبيقياً على المساحات الزراعية أو الصناعية والاستثمارية أيضاً. ويكمن الخلل في الآليات الإدارية والتنظيمية لتفعيل هذا القطاع، وغياب الأهداف المرحلية الأولى وضبابية الرؤى العامة للمشروعات الزراعية التي ترتقي لمستوى الحلم في المخططات ولكنها تغيب عن الميدان، وغياب شفافية بيانات السوق الزراعي العالمي، والقيود المفروضة على سياسات التصدير الغذائي، بينما في الواقع نعايش وضعاً مقلقاً لهذا القطاع بسبب عدم دراسة المتطلبات بشكل منهجي لتبنى على أساس ذلك احتياجات النهوض بهذا القطاع من مشروعات وأيدي عاملة وخطط تنفيذية قصيرة المدى ودراسات مرحلية تفي بمتطلبات المرحلة التي تليها. وهنا يطرح السؤال نفسه عن مصير التحالف الدولي للتصدي للجوع الذي اتفق في 2008 على تشكيله من الحكومات والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، مدته خمس سنوات لبلوغ الهدف في 2015 وهو تسهيل الحوار بشأن اتخاذ تدابير فعالة للتقليل من الجوع وتكثيف المساهمات للدول للنهوض ببرامج الغذاء لديها، إلا أنّ نتاج السنوات الأربع الماضية لا نراه ملموساً. ومما يفاقم المخاوف أيضاً تأثيرات التغير المناخي للكوكب التي انعكست على مشروعات التنمية خاصة ًالزراعة التي تضررت كثيراً، وأدى الجفاف أو الفيضانات إلى وقوع أضرار كبيرة بالسكان والمحاصيل، إلى جانب مشكلة حقيقية بدأت تؤرق صناع السياسات.. وهي نزوح الملايين من البشر من مناطق النزاعات المسلحة والحروب الدائرة على اقتسام الثروات أو التهجير أو الجفاف أو الفيضانات، وهذا يفتح الباب لاحتياجات غذائية من نوع آخر وهي المعونات الغذائية العاجلة التي قدمتها الدول المانحة حسب إحصائية البنك الدولي على شكل مساعدات غذائية بأكثر من "90"مليون شخص حول العالم، والتي ترفع هي الأخرى من الأعباء الملقاة على المنظمات الدولية بسبب عدم استقرار الأوضاع. في رأيي إنّ الجهود الدولية مطالبة اليوم بتوحيد الرغبة في التوصل إلى نتاج فاعل أولاً، ثم دراسة الوضع الراهن في ضوء المعطيات البيانية الآنية، وعدم هدر الوقت في وضع خطط وبرامج بعيدة المدى ستأخذ سنوات في تنفيذها، لأنّ الأزمة ستخلف وراءها مشكلات جمة أبرزها سوء التغذية والفقر وانتشار الأمراض وتردي الوضع الصحي والمعيشي.. وعندئذ ٍستكون الحلول مكلفة أيضاً لأنّ إصلاح الخلل يتطلب موازنات باهظة، وضرورة وضع خطط إنقاذية عاجلة تفي بالحاجة، وتهيئ الفرص لواضعي السياسات الغذائية في صياغة مخططات تأخذ طريقها إلى التنفيذ.