14 سبتمبر 2025
تسجيلمعلوم من الدين الإسلامي بالضرورة أن الإيمان بالكتب السماوية ركن من أركان الإيمان، وهذا يعني أن الإيمان بالقرآن جزء من عقيدة ما يقرب من ملياري مسلم، وفقا لإحصائية العام 2023، وبالتالي فلا يمكن قبول المساس بهذا الكتاب العظيم. وتنامت خلال العقدين الأخيرين، وبالذات بعد عام 2005، ظاهرة حرق المصحف الشريف في أوروبا، وخصوصا في الدنمارك والسويد والنرويج. ومؤخرا، يوم 28/6/2023، أقْدم عراقي مُهَجر يُدعى (سلوان موميكا) على جريمة حرق المصحف، بعد أن منحته الشرطة السويدية تصريحاً بتنظيم الاحتجاج بموجب قرار قضائي!. وجريمة حرق المصحف ترتبط «بحرية التعبير الشاملة» التي يكفلها القانون السويدي! ومعلوم أن الحرية الشخصية تتوقف حينما تُلْحِق الضرر بالآخرين، فكيف إن كان الضرر يتعلق بعقيدة أكثر من نصف مليون مسلم في السويد، فضلا عن ملياري مسلم حول العالم؟ وقد كان موقف غالبية الدول العربية والإسلامية المُندد والمستنكر للحادثة متميزا، وهذا الموقف دفع السويد لإصدار بيانات رفض للحادثة وذلك خوفا من تأزم علاقاتها مع أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية، تربطهما تبادلات تجارية لا تقل عن (20) مليار دولار سنويا!. وقالت الخارجية السويدية «إننا ندين بشدة هذه الأعمال التي لا تعكس آراء الحكومة»، ومُذكرة، حينها، بأن «حرية التعبير حق يكفله الدستور»! وهذا يعني أن الحادثة ربما تتكرر لأن القضية تقع ضمن الدستور السويدي، وبالتالي يُفترض أن تُعدل السويد دستورها الذي يستفز ربع سكان العالم من المسلمين!. وأعلن وزير العدل السويدي جونار سترومر أن الحكومة تدرس تعديل القانون لمنع إحراق المصحف، وتدرس حاجة القانون إلى التعديل لمنح الشرطة صلاحية رفض الطلبات المماثلة بعد الضرر الذي لحق بأمن البلاد نتيجة الحادثة الأخيرة. وقد تطورت أزمة المصحف لتدخل تحت قبة حلف شمال الأطلسي «الناتو»، حيث سبق لتركيا أن تحفظت على طلب السويد الانضمام إلى «الناتو» لأسباب تتعلق بدعمها لشخصيات تصنفها أنقرة في قائمة الإرهاب. وبعد حادثة حرق المصحف قال الرئيس رجب طيب أردوغان، إن بلاده «لا توافق على طلب السويد قبل أن تتوقف أفعال إحراق المصحف، وإهانة مقدسات المسلمين ليست حرية فكر»!. وهذا الموقف التركي الرافض، ربما، نُوقِش خلال المفاوضات المغلقة بين الرئيس أردوغان والأمين العام للناتو ينس ستولتبيرغ ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، ليلة قمة الناتو في العاصمة الليتوانية فيلنيوس يومي 11 و12 تموز/ يوليو الجاري!. وقال كريسترسون عقب الاجتماع: «بالفعل هناك أشياء كان يجب علينا إيقافها منذ وقت طويل»!. وفي ختام قمة الناتو قال الرئيس أردوغان: «من العار أن نقول لحلفائنا: لا تُميزوا بين التنظيمات الإرهابية، وحاربوا الإسلاموفوبيا، ويجب تكثيف جهود حرب الإرهاب، ومهاجمة مقدسات الناس عمل إرهابي»!. ومعلوم أن حرق المصحف من أبشع أنواع الخلط السياسي والإرهاب الفكري والعقائدي! ومنعت السويد (موميكا) من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يؤكد أنها سائرة على طريق تعديل الدستور!. إن تذرع بعض الدول الأوروبية بالدستور للاستخفاف بعقائد المسلمين لا علاقة له بحرية التعبير!. وهذه الاستفزازات تتناقض مع المادة (20) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك إعلان الأمم المتحدة للعام 1981 والمتعلق بالقضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد!. مَن يريد أن ينضم للناتو لمكافحة الإرهاب عليه أن يُنقي قوانينه من الإرهاب الفكري والعقائدي!. ويفترض بالدول الحصيفة أن تُخَلص علاقاتها الدولية من أي شائبة تَمس عقائد الآخرين وحقوقهم المدنية، وإلا فإن العزلة السياسية والإنسانية هي المصير الحتمي المرتقب!.