19 سبتمبر 2025
تسجيلالكتلة هي مجموعة نخب، والنخب أو الصفوة لها أشكال متعددة ووظائف مختلفة، أهم محدداتها وجود هدف وقدرة على التماسك، وأسطع مثال على ذلك في سمائنا العربية النخب العسكرية، التي تقلدت زمام الأمور بعد رحيل الاستعمار، ناهيك عن النخب التقليدية أو تلك الدينية التي كانت تمارس سطوتها من خلف الستار. في مقابل ذلك شاع ويشيع اليوم مفهوم الكتلة التاريخية، بعد أن أوصلت هذه النخب الوضع العربي إلى الدرك الأسفل، والحالة المأساوية التي تكابدها هذه المجتمعات، من تشرذم وضياع للثروة وللإنسان ذاته، عندما أقصى القوميون الإسلاميين وأوكلوهم إلى السجون، وعندما يُستبعد القوميون اليوم باسم الدين. ماذا جنت الأمة في محاربتها لنعمة التنوع التي خلقها الله عز وجل، وجعلها سر الحياة؟ ماذا جنت الأمة من ضيق الأفق باسم الدين؟ حاربنا التسامح وهو مبدأ ديني، وباسم القومية صادرنا حرية الرأي والاعتقاد. جاء مفهوم الكتلة التاريخية ليتجاوز إشكالية النخب المتصارعة، عندما صكه الفيلسوف الشيوعي الإيطالي غرامشي في دفاتر سجنه، وبلاده تتمزق بين شمال برجوازي وجنوب إقطاعي، والشعب المنهك عبارة عن قطيع يدرك نهاره ليعيش ليله دونما أمل أو شعور بإنسانيته. دعا غرامشي إلى تكوين كتلة تاريخية جديدة من العمال في الشمال والفلاحين في الجنوب، بعيدا عن صراعاتهم الدينية والمذهبية والطائفية لإزالة الكتلة التاريخية القديمة، والعمل على الهيمنة على أبعاد المجتمع المدني، لأن المجتمع البرجوازي في الأساس مجتمع مدني "وهي التعليم والصحافة والثقافة بمؤسساتها المختلفة"، وأشار إلى أن العنصر الأساسي والذي يعول عليه هنا هو ما يسمى "بالمثقف العضوي" وليس المثقف التقليدي. عودة لعالمنا العربي وإدراكا لما أوصلتنا إليه النخب، يبقى إدراك أبعاد الكتلة التاريخية أيضا ليس من السهولة بمكان، وتشكلها اليوم يبدو أكثر صعوبة عما قبل، في عصر التقنية واستلاب الإنسان وتشيؤ المصالح وتسليع الأوطان.