16 سبتمبر 2025
تسجيليحكى أن خطيباً في مسجد كان يخطب في الناس في يوم الجمعة، ويرثي لحال المسلمين والمسلمات، وتكالب الأمم عليهم، ولايستجيب أحد لدعواتهم وصيحاتهم من زعماء المسلمين، ويصيح: أين المعتصم ؟ وا معتصماه! تلك الصرخة التي أطلقتها امرأة في عمورية بعد أن استباحها الروم التي استجاب على إثر سماعها المعتصم الخليفة العباسي، فجهز جيشاً ليحررها. هذه القصة المشهورة التي خلدها أبو تمام في قصيدته الرائعة: «السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ، في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ». ومازال يكرر وا معتصماه، وأختاه في سوريا، وأختاه في بورما، وأختاه في العراق، في فلسطين. وبعد انقضاء الصلاة تفرق الناس خارجين من المسجد فإذا بفارس ذي طلعة بهية على جواد عربي أصيل، يصيح أنا المعتصم قد استجاب الله لدعوات إمامكم وخطيبكم، وأدعوكم إلى اللحاق بي والالتفات جنبي ومعي لنذهب لتحرير أخواتنا المسلمات من غدر الأعداء وأسر الكفار، وأشار بداية إلى خطيب المسجد، الذي اعتذر بأن لديه درساً بعد المغرب في مسجد آخر سيتحدث فيه عن صلاح الدين الأيوبي، بينما ثان أشار بأنه تلقى رسالة على الواتس آب تفيد بأن ابنه ليس على مايرام، وثالث أفاد بأنه سيحضر مباراة للقدم أولا، وآخر بأنه على موعد مع فريق الغطس للتدريب على الغطس، وآخر بأن لديه لقاءً تلفزيونياً، وعاشر بأن لديه موعد عملية زرع شعر مستعجلة في تركيا وسيغادر إليها غداً، وآخر بأنه ينتظر إتمام معاملة بناء بيت شعبي له ولأولاده. بعدها ترجل «المعتصم من فرسه بعد أن استفسر عن إمكانية تغيير ما يحمله من دراهم ذلك الزمن» قائلا دلوني على السوق أو إلى أقرب مكان يباع فيه «الآي فون» وكيفية تنزيل برنامج «الواتس آب» ليتمكن من الاتصال بامرأة عمورية في كل مكان في عالمنا الإسلامي وتوجيهها بما يجب أن تفعله للخلاص بعيدا عن إعداد وإرسال الجيش، الأمر الذي سيتطلب وقتاً طويلاً. هذه القصة الافتراضية تمثل، جزءاً من أزمتنا الثقافية مع تاريخنا، والصور الذهنية عن أبطاله عندما ننتزعها من إطارها التاريخي والزمني. الآن الصورة الأخرى مخالفة تماما لما سبق ذكره في هذه القصة الافتراضية، الواقع أن مثل هذا الخطيب الذي يؤجج المشاعر، ويحرك الجزء الانفعالي من الإنسان، ويثير الغرائز السلبية لديه، لعدم وعيه وإدراكه بأن الماضي ورجالاته ليسوا هذه الصور المنتقاة والمجتزأة من التاريخ، بل أن معظم ذلك ليس سوى تضخيم وزيادات وتراكمات تاريخية والحقيقة ربما جزء بسيط جدا فيما وصلنا من ذلك، يستحيل أن ينتقل الحدث عبر الزمن بدون تغيير، أبدا لايمكن سوى القرآن الكريم وذلك يرجع لحفظ الله له وتعطيل فاعلية التاريخ فيه كتغيير وليس كـ «فهم». بالفعل فإن مثل هذا الخطيب سيجد من يستجيب لصيحة وا معتصماه، أو صلاح الدين، ولكن ليس على صورة فارس ينتظرهم خارج المسجد ليطلب منهم اللحاق به، ولكن على شكل حزام ناسف يرتديه الشبان منهم وربما بعض الشيوخ استجابة لهذه الدعوة، ليس بالضرورة إيماناً بها بقدر ماهو يأس من واقع معاش، فتتحول الصرخة الشمولية إلى أمير المؤمنين إلى نداء داخلي يستجيب إليه المحروم والمعدوم الذي أصلا يعاني من ظلم « أمير المؤمنين»، ولعجزه عن تحقيق ذلك أو ربما استجابة لفتوى صيغت تماما تحقيقاً لرغبته وهي البداية بالأقربين من «الكفار»، ونظرا لامتلاكه لجميع وسائل التقنية فأنه لا يسأل كما سأل المعتصم عن السوق ليشتري له «آيفون» وبرنامج «الواتس آب»، بل يبدأ مباشرة بالاستجابة لنداء الخطيب الذي ذهب إلى مسجد الوالي، ليحكي له عن قصة صلاح الدين واستجابته لتحرير بيت المقدس. [email protected]