11 سبتمبر 2025
تسجيلعرفت سعادة الأخ علي شريف العمادي، وزير المالية الحالي، في تسعينات القرن الماضي، عندما كان يعمل بإدارة الرقابة المصرفية في مصرف قطر المركزي. وزادت معرفتي به أكثر عندما انتقل إلى بنك قطر الوطني. وبدأت عنده عملية تطوير نفسه والعمل الجاد حتى تمت ترقيته، في عام 2005، ليصبح الرئيس التنفيذي للبنك. كانت مهمته التي برع فيها هو نقل بنك قطر الوطني من مجرد بنك إقليمي ليصبح بنكا دوليا مع تقليل نسبة المخاطر من عملية الاستثمار والقروض. وبعد مدة تحقق له ذلك وأصبح البنك أكبر مؤسسة مالية في منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وأكثرها ربحية. كما أن قيمة علامته التجارية هي الأعلى في المنطقة، وبه اكتسب أعلى تصنيف ائتماني. ومن المحاسن التي تحسب له أنه قام على استقطاب القطريين للعمل في البنك وبه أصبح أكبر مشغل لهم في القطاع المصرفي. ومن المحاسن الأخرى التي قام بها هو تحويل جزء من أرباح البنك لخدمة المجتمع، وبخاصة لسداد الديون المتعثرة للعديد من زبائن البنك مما خفف المشاكل المالية التي يعاني منها بعض أفراد المجتمع. وبسبب الإنجازات والخبرة الطويلة في المجال المصرفي تم، في يونيو 2013، تعيينه وزيراً للمالية. ومن هنا بدأ في إصدار عدة قرارات كان من نتيجتها قيام شريحة كبيرة من المجتمع، وأنا منهم، بالدعاء عليه لا له. وبحكم علاقتي معه ذهبت إليه وسألته: ما هذا الذي تعمله يا سعادة الوزير؟ فأجاب: فقط أقوم بعملية تصحيح وضع لا أكثر ولا أقل. إن الهدف العام الذي أقوم به، في ظل الأسعار المنخفضة للنفط، هو ترشيد عملية إنفاق الأجهزة الحكومية لأستطيع توفير المبالغ المطلوبة لتقديم الخدمات المجتمعية بصورة راقية تليق باسم دولة قطر، وفي نفس الوقت توفير السيولة اللازمة لاستكمال البنية التحتية، ومشاريع كأس العالم 2022. أما بخصوص الخدمات الداخلية بالأجهزة الحكومية فإن الخطة المعتمدة، من مجلس الوزراء الموقر، هو القيام بتحويلها إلى نظام التعهيد أو ما يعرف بالإنجليزي Out-Sourcing بهدف استفادة القطاع الخاص في نموه وتطوره. ومع بدء الحصار الرباعي لدولة قطر قمت بإرسال رسالة لسعادة وزير المالية أحذره من قيام حكومات وأفراد دول الحصار بسحب الودائع من البنوك القطرية مما قد يضر بالبنوك القطرية ويعرضها للإفلاس تماماً كما حدث لبنك الاعتماد والتجارة الدولي، ومقترحاً عليه توجيه من أراد وديعته قبل نهاية التاريخ المحدد للوديعة الذهاب للقضاء. ولم يرد علي في حينها ولكن في مجلس أحد الأصدقاء قال لي إن البنوك القطرية لا تستطيع أن تمنع أي فرد، سواء كان من صغار المودعين أو من كبارهم، من سحب وديعته متى ما أراد ذلك لأن العمل بهذا الشيء سيحمل بين طياته خطراً كبيراً على سمعة دولة قطر، وعلى سمعة القطاع المصرفي القطري، ولهذا قامت الدولة، من بداية الحصار، من خلال جهاز قطر للاستثمار، بضخ ودائع جديدة في النظام المصرفي القطري كإجراء احترازي لمواجهة مثل هذه المخاطر. وختم سعادة الوزير كلامه بقوله "اطمئن يا دكتور .. ارقد وآمن ما دام سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني هو الذي يقود المركب فقطر بخير". وسألت الفاضل حسين الفردان فقال إن "كلام سعادة الوزير صحيح لأن الموضوع هو سمعة دولية للنظام المصرفي القطري، وفعلاً جهاز قطر للاستثمار قام بضخ أموال كودائع أكثر مما هو مطلوب، فقط ليأمن عدم اهتزاز الوضع المصرفي القطري". والحمد لله، وبهذه الإجراءات، وجدنا أن القطاع المصرفي القطري لم يتأثر بل إن البنوك القطرية حققت نجاحاً كبيراً في فترة الحصار. وعندما عرفت دول الحصار أن التأثير على القطاع المصرفي سيكون محدوداً قامت بالاتجاه لزعزعة استقرار الريال القطري عن طريق تداول سندات حكومة قطر بأسعار منخفضة، بصورة مصطنعة، للإيهام بأن الاقتصاد القطري في مأزق. وهنا تشابكت يد سعادة وزير المالية مع يد سعادة محافظ مصرف قطر المركزي وبدأوا بالعمل سوية لمواجهة الضغوط التي مارستها مصارف الإمارات والسعودية ودول أخرى مثل سريلانكا. وفي فترة بسيطة، وبفضل الفوائض المالية والاستثمارات العالمية الضخمة، رجع للريال القطري هيبته في الأسواق المالية العالمية. وواصلت الحكومة بالإنفاق على مشاريعها وخدماتها وفق هندسة مالية استطاعت من خلالها توفير ما تحتاجه من مخصصات مالية في الوقت المناسب بحسب الإنجاز وبدون السحب من الاحتياطي العام. ومع الإنفاق العالي إلا أن الدولة حافظت على معدلات النمو الاقتصادي المستهدفة مع السيطرة على معدلات التضخم. وبتوجيهات من سمو الأمير المفدى وبمتابعة دقيقة من معالي رئيس مجلس الوزراء تم تكليف وزارة المالية على توفير الدعم لمشاريع الأمن الغذائي، ودعم وتوسيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتطوير البنية التحتية في المناطق الاقتصادية والحرة، بجانب الخطط القائمة للتوسع في بناء العديد من المدارس والمنشآت التعليمية والجامعية الجديدة، وعدد من المراكز الصحية والمستشفيات، وغيرها. فأصبح الوزير بين خيارين إما يلجأ إلى الاحتياطي العام للدولة، وفي هذا ضرر على سمعة قطر ووضعها الدولي، أو بالقيام بإصدار سندات دين حكومية. وبخبرته التي اكتسبها من إدارة المخاطر بالبنك قرر اللجوء إلى السندات. وقبل طرح السندات قاد وزير المالية معركة عالمية شرسة مع دول الجوار التي حاولت بكل الصور إفشال ذلك الطرح، أولاً عن طريق تكثيف الحملات الإعلامية لتشويه سمعة قطر، وثانياً عن طريق قيام السعودية برغبتها في إصدار سندات دين حكومية لها بنفس الوقت الذي ترغب فيه قطر بطرحها. طبعاً كانت السعودية تراهن على سمعتها الدولية وثقة المجتمع المالي العالمي لها في الاستحواذ على الاهتمام الدولي بسنداتها وترك قطر. ولكن، ومع تلك المخاطر، قرر الوزير المضي بطرح تلك السندات. والحمد لله أن الخطة الهجومية القطرية نجحت وتجاوزت عملية الاكتتاب في السندات القطرية بأكثر من ضعفي المبلغ المطلوب (أكثر من 20 مليار دولار)، مع العلم أن البنوك الأمريكية، باستثناء واحد منها، وقفت مع السعودية ضد قطر. ومع كل السمعة للسعودية، ودعم البنوك الأمريكية لها، إلا أن الاكتتاب في السندات السعودية لم يصل إلا لحوالي 11 مليار دولار (أقل من المخطط له بكثير). وقام الوزير، نكاية بالسعودية، بالموافقة على 12 مليار دولار فقط (يعني أكثر منهم بمليار واحد). والحمد لله مرة أخرى أن قام الوزير بتوظيف كامل المبلغ مما جنب الدولة دفع فوائد مالية كبيرة على أموال راكدة، وجعل هناك زيادة حقيقية للعائدات غير النفطية. وفي الختام نقول إن سمو الأمير المفدى قد أحسن الاختيار إذ أحضر شخصاً من القطاع المصرفي الخاص وكلفه بمهمة وزارة حكومية فكان الإنجاز والتحرك الإيجابي له صبغة خاصة. وليعرف الجميع أن هذا ليس تقليلاً فيمن سبق الوزير الحالي، ولكن لأن اختياره كان مناسباً، وبخاصة أنه أتى في فترة الحصار المفروض على قطر. ويجب أيضاً عدم التقليل من أداء الوزراء الآخرين فكل واحد قام بما هو مطلوب منه أو ربما أكثر. إن سعادة الوزير لا ينسب الإنجاز لنفسه ولكنه، وكما يصرح دائماً، إن ما قام به من زيادة الكفاءة في المصروفات الجارية والتشغيلية، وتوفير كافة الاعتمادات اللازمة لاستكمال تنفيذ المشاريع الكبرى حسب الخطط المعتمدة ما هي إلا نتاج توجيهات كل من سمو الأمير المفدى ومعالي رئيس مجلس الوزراء. إن ارتفاع الإيرادات غير النفطية، وكما أراها، هي بشرى خير وبركة على قطر وهي فعلاً الطريق إلى التنمية المستدامة لرؤية قطر الوطنية 2030. والله من وراء القصد ،،