31 أكتوبر 2025

تسجيل

أصحاب المبادرات والتجارب الناجحة ..واجبٌ مُستَحق

15 يوليو 2015

ليست المرة الأولى التي أتابعُ فيها عن كثب قصص النجاح وخصوصا في مجال الأطفال والشباب المتميزين من أصحاب المواهب والقدرات، أو تجارب العمل التطوعي والإنساني المتميزة وذات الأثر، فهي من الأمور التي استمتع بقراءتها وتقديمها للقراء، باعتبار أنها تمثل نماذج للتأسي والاقتداء، وحفز الهمم والانطلاق نحو الأفضل على مستوى الأفراد والمجتمعات.والحقيقة أن الاهتمام بهذا الجانب ما يزال دون مستوى الطموح عربيا، سواء على مستوى مجلات ومواقع الأطفال أو في صحف ومجلات ووسائل إعلام الكبار، وهو لا يأخذ الحيز المطلوب في النشرات والصفحات الإخبارية رغم أهميته الكبيرة .أهمية هذا الجانب تنبع من تشجيع الموهوبين وأصحاب القدرات والتميز والاجتهاد والعطاء والمبادرات المجتمعية الإيجابية، لضمان تواصل عطائهم وتميزهم، ولتسليط الضوء على تجاربهم من أجل أن تحظى بالدعم والاهتمام، ولتعريف الآخرين بها عسى أن تمثّل لهم الحافز والقدوة الحسنة.أعجبني الإعلامي السعودي أحمد الشقيري أنه قدّم كثيرا من هذه التجارب المتميزة عربيا وإسلاميا ودوليا وشجع الشباب على خوض غمار المبادرات وقدم هذه التجارب للجمهور ومتابعي برنامجه الرمضاني المعروف "خواطر" ، بل وأكثر من ذلك قام بتكريمهم، خصوصا في هذا الشهر الكريم (النسخة الحادية عشرة والأخيرة) مع الإشادة بجهودهم واستدامة عطاء بعضهم .أصحاب العطاء بشر ، وعندما يشعرون بالاهتمام والتكريم من الجهات المختلفة فلاشك أنّ هذا يترك أثرا إيجابيا عليهم والعكس صحيح، وما أعنيه أن كثيرا من أصحاب القدرات والمبادرات والتميز قد لا يواصلون مشوارهم لأنهم لم يجدوا التقدير والدعم المادي والمعنوي، وبالتالي تفقد أوطاننا طاقات مهمة يمكن أن تسهم في بنائها وتنميتها لهذا السبب.أعرف أستاذا لي من الشعراء المتميزين حصل عندما اقترب من الستين من عمره على جائزة أدبية رفيعة فاشترى بها بيتا، فكان يقول لمن هم حوله متندرا: هل ستظلون تقولون لي إن الشعر لا يطعم خبزا، أو حسب لهجة أهل مصر ( ما يأكلش عيش)! .وفي هذا الشهر الكريم أيضا قرأت في صفحة أحد شعراء الأطفال المتميزين على الفيسبوك متندرا أيضا وهو يوضح كيف أن صديقه وهو صاحب مكتب لبيع العقارات نهر ابنه ومنعه من مواصلة كتابة الخواطر الأدبية وقراءة الكتب قائلا له باللهجة الشامية الدارجة: ( والله إذا بعد هذه المرة شفتك عمبتخربش من هالشغلات لأملص رقبتك )، كل ذلك بعد أن علم من صديقه ( كاتب وشاعر الأطفال الذي يقترب من الستين من عمره) أنه لا يملك قيمة شقة صغيرة عرضها عليه، رغم أن ثمنها لا يساوي أكثر من 25.000 دولار ، ورغم كل دواوينه المطبوعة وأعماله المنشورة وهي كثيرة، وبالتالي هو يشفق على ابنه من مصير مشابه لمصير أديب الأطفال المرموق.وقبل أن ينقضي هذا الشهر الكريم قدّمتُ للأطفال في أحد المواقع الإلكترونية المهتمة بإعلام الطفل ، تطورا جديدا ولافتا في حياة طفلة باكستانية اسمها آسية ( 10 سنوات ) تحبّ العربية وبفضل والدها تعلمتها، وحصلت على دبلومين جامعيين في المحادثة بالعربية، وألفت كتابين بالعربية لغير الناطقين بها وذلك قبل بلوغها التاسعة من عمرها، ومع ذلك لم تكتف بذلك فها هي تحوّل بيتها لفصل دراسي، وتقيم فيه دورة طيلة شهر رمضان لكي تعلِّم فتيات في مثل سنها العربية، ليس هذا فحسب بل ستختتم الدورة بحفل توزيع الشهادات على الفتيات المشاركات، في نهاية هذا الشهر الكريم، وبحضور أولياء أمور الطالبات ومعلماتها كما ستقوم بتكريم طالباتها بجائزة وتقديم عيدية لكل منهنّ، وهذا العمل تقوم به للعام الثاني على التوالي، بتشجيع ودعم من والدها الكريم ..أليس حريّا بنا أن نتعلم من هذه المعلمة الصغيرة ( التي أطلقتُ عليها أصغر معلمة للغة العربية ) معاني العطاء وتشجيع الآخرين ودعم التجارب الناجحة ؟! الاحتفاء بالمتميزين وأصحاب التجارب الناجحة والمبادرين بحر واسع وله أشكال وأساليب متنوعة وهو مهم في البدايات للتشجيع والرعاية ، ومهم أيضا في المراحل التالية لضمان الاستدامة والشعور بالتقدير، ولتكريم العظماء في الحياة قبل الممات، وهو ما من شأنه دعم عمليات تنمية المجتمعات، والأخذ بيدها إلى معارج النهوض والرقي والتقدم. ولأننا مازلنا في شهر الجود والعطاء فإن التذكرة بالواجب تجاه أصحاب الطاقات المتميزة والمبادرات المعطاءة لابدّ منها، عسى أن تجد آذانا صاغية.