17 سبتمبر 2025
تسجيلإن الإنسان محور النشاط الديني وموضع التكاليف السماوية – لا تستقر له حياة ولا يستقيم له وجود إلا إذا كفلت معاشه وتعاونت ظروف البيئة على ضمانها .أي أنه يوجد أولاً ثم تلاحقه الواجبات ، وهذا الوجود منوط بالكدح سحابة النهار والاستعداد له – بالراحة أثناء الليل ، قال تعالى : (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرًا ) وقال عز وجل : ( وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً ). فلابد للإنسان أن يعمل عملاً ما ترشحه له ملكاته وخصائصه لأن الله يكره أن يرى عبده فارغ اليدين ، وكما قيل إن الله يكره العبد البطال بل وكما جاء في الحديث الشريف " لإن يأخذ أحدكم حبله يحتطب خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه "أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، فالمجتمع يلزم الفرد الذي يعيش فيه – وهو كامل القوى – أن يقوم بعمل ما ، ومن لم يصلح لحرفة معينة صلح لغيرها وكلف بالقيام بها .وإن كان الإنسان خليفة الله في أرضه ، وكان تصرفه في عناصرها أثرًا من نفخة الروح الأعلى فيه ، لذلك استحب المولى عز وجل أن يتقن كل ما صدر عنه ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ...) وأن لا يخرج به معيبًا أو شائناً " رحم الله امرءاً عمل عملاً فأتقنه " .إن بعض الناس جهل الحكمة من وجوده فعاش عاطلاً في زحام الحياة وكان ينبغي عليه أن يعمل ويكافح وأن يشق طريقه في هذه الحياة على هدى مستقيم .والإنسان في أصل خلقته وتكوينه الأول لا يساوي حفنة تراب فهو لا يستمد إنسانيته من أصل تخليقه ( التراب ) أو ( من ماء مهين ) وإنما يستمد كرامته من الطور الآخر ( ونفخت فيه من روحي ) فهذه النفخة التي هي من روح الله ( من أمر ربي ) هي التي سرت في كيانه فأكسبته هذه الخصائص التي استحق بها أن يسمو على سائر صنوف المخلوقات الأخرى ، لأن الله – عز وجل – جاء بهذا الإنسان أولاً من العدم ثم رقّاه موجده من أدنى أطوار الوجود حتى أوصله بإنعامه إلى كرسي السيادة الكونية للمخلوقات بعد أن صوره في أحسن تقويم ، فما تخلل بين الإنسان وبين مبدأ التخليق من المنازل الكثيرة كل منها يعد نعمة عليه وفيه ثمرة وصبغة ( صبغة الله ) من كل طور حتى صار هذا الإنسان كقلادة منظمة وعنقود نضيد بحبات النعم من أم الرأس إلى أخمص القدم .فليسأل كل واحد منا نفسه: كيف وصلت إلى هذه النعمة ؟ وبم استحققتها ؟ وهل شكرت من أسدى ذلك لي ؟ وهذا السؤال ينبغي أن يجعله كل إنسان أنه هو المقصود دون سواه من مخلوقات الله لأن الله لا يسأل الحجر لماذا صيره حجرًا ؟ ولا الشجر لماذا صيره شجرًا ؟ ولماذا لم تكن الحجر إنسانًا وكذا الشجر ، وإنما السؤال خاص بك أيها الإنسان ، يا ثمرة الوجود ؛ لأنك موضع التكاليف قال الله تعالى ( فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ) وقال ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) عليك نعم وفيك وأنت مسؤول عن شكرها .إنك موكول بك خلافة هذا الكون ( وسخر لكم ما في الأرض جميعاً) فالإنسان أشرف مخلوقات الله بشهادة تصرفاته الخارقة مع صغره وضعفه وأنه أوسع الأسباب اختياراً بالبداهة فالواجب عقلاً أن يرسل المبدع إلى من أبدعه من يعرِّفه بالمبدع الأول ويرسل رسولاً من هذا الإنسان إلى الغافلين من بني جنسه ليخبرهم ما يرضى به ويطلبه من المالك ( الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما ...) إن الله تعالى امتَّن على هذا الإنسان بهذه المرتبة الرفيعة ( ونفخت فيه من روحي ) فكما شرفه بالكثير من النعم ، كلفه بالعظيم من الحقوق والواجبات لضمان الخير له في العاجل والآجل ، فخير للناس أن يستبينوا رشدهم في صفحات الكتاب العزيز الذي استوعب هذا الدين القيم واستوعب كل ما يضمن الخير والازدهار للإنسانية .كم يكون الإنسان نازل المرتبة منحط القيمة عندما يجعل وظيفته في الحياة لاتتجاوز بضع عشرات من السنين يقضيها على ظهر هذه الأرض ثم يغادرها دون العودة إليها (إنهم إليها لا يرجعون ) وينتهي بذلك أمره كما تنتهي آجال ذئاب الغاب وشياه الحقول .إن جوهر الإنسان وماهيته عظيمة ، وجنايته كذلك تكون عظيمة ، وطاعته وانقياده مهمة ، فهو لا يشبه سائر الكائنات لذا لا يمكن أن يقاس بالكائنات ولا أن ينتظم معها ولا ينقاد لأوامرها . نعم إنه المرشح الأبدي الأعظم ، فلن يترك سدىً ولا يكون وجوده عبثاً ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون ) .وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين