17 سبتمبر 2025
تسجيلإن الشعور بالذنب الذي يرتكبه الإنسان المذنب فطرة فطرة الله الناس عليها وما كان للتهوين من شأن الذنب، ولا للتخفيف من آثاره أن يهدي من روع المذنب، لأنه يعلم أنه ارتكب ذنباً ووقع في خطيئة، لهذا فإن عقدة الشعور بالذنب لا يزيلها من النفس إلى التوبة النصوح التي تتوفر فيها شروط التوبة من إقلاع عن الذنب وندم على فعله وإصرار على عدم العودة إليه مع العزيمة الصادقة القادرة على التغيير، فشعور الإنسان بأن الله عز وجل يقبل توبة التائبين (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) ويمحو بها آثار الخطيئة مما يجعل الإنسان المذنب تعود إليه راحة قلبه وطمأنينة نفسه لأنه يعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب عليه بهذا أخبر النبي الكريم الرحيم وهو ميراث تعلمناه من أبينا أدم (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم). إن عقدة الشعور بالذنب التي تطارد العبد المسلم الذي يقع في الخطيئة هي السبب في التوتر الدائم والقلق المستمر وهي في أخر المطاف تؤدي إلى الكراهية العميقة للمجتمع لأنه يرى فيه شبح الذنب الذي ارتكبه متمثلاً في كل شيء في الناس الذين سهلوا له الوقوع في المعصية وفي كل من كان سبباً في إغرائه وكذلك البيت الذي لم يهتم بتربيته أو توجيهه وينقم حتى على المدرسة التي لم تساهم في تقويمه مع الرغبة الملحة للي إزالة كل ما يذكر بالذنب الذي ارتكبه ولهذا فإنه يحاول أن يترجم ذلك كله بالتدمير وعدم المبالاة بالأخلاق والأعراف الاجتماعية ويتمرد حتى على النظم، ويجعل من ذلك تعبيراً عن المأساة التي يعيشها في تلك المرحلة الشبابية، إلا أن العلاج الوحيد لتلك العقد إن علاج مشكلة المراهقة وتداعياتها يتحقق إذا استطاع الشاب أن يجد الزوجة الموافقة الكريمة المنبت ليحقق من خلالها رجولته دون أن يصاحب ذلك ما يعكر صفو حياته فالزواج الشرعي هو الحل الأمثل والناجع لمشكلة خروج الشباب عن مألوف الشرع والعرف والقانون من أجل ذلك جاء في الأثر أن الولد إذا بلغ وكان بإمكان ولي أمره أن يزوجه فلم يزوجه حتى وقع الشاب- ذكر أو أنثى- في الخطيئة فإن ولي الأمر يحاسبه الله يوم القيامة لأنه كان بإمكانه أن يحول بين الشاب والخيطئة فلم يفعل. وعلى هذا لا يوجد حل أمثل ولا أحسن من إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ألا تفعلوا تكن في الأرض فتنة وفساد كبير لأن سعار الشهوة الذي يطارد الشاب سوف يؤدي إلى حرق كل خلق كريم ينطوي عليه قلب ذلك الشاب. إن الزواج يبعث الثقة نفس الشاب- ذكر أو أنثى- لأنه حينما يلتقي كل زوج بالآخر يلتقيات وفي قرارة نفسيهما أنهما يمارسان حقاً أقره الله وحث عليه وجعله حقاً من حقوقه المشروعة وأجاز الشرع للشاب الذي يريد الزواج للإعفاف أن يطلب من الجهات المسئولة عن الزكاة أن تقوم بمساعدته، وقد كان هذا المبدأ من مذهب عمر بن عبدالعزيز- رحمه الله- حيث أمر منادياً ينادي أن على الشباب من يجد الرغبة في الزواج ولا يجد ما ينفقه فيه فليأتنا نزوجه. وقد عرض عثمان بن عفان رضي الله عنه الزواج على عبدالله بن مسعود رضي الله عنه بعد وفاة زوجته كما جاء في صحيح البخاري قال: يا أبا عبدالرحمن إن لي إليك حاجة فخليا فقال عثمان لعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكراً تذكرك ما كنت تعهد؟ فلما رأي عبدالله أن ليس له حاجة إلى هذا أشار إلى علقمة- تلميذ عبدالله فجاء إلى عبد الله فقال ابن مسعود لعثمان رضي الله عنهما أما لئن قلت ذلك لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". فهذا عثمان رضي الله عنه يتذكر عبدالله أنه لا زوجة له فلابد له من زوجة يخلوا بها. إن هذا الدين ليس دين مظاهر وطقوس ولا تغني فيه مظاهر العبادات والشعائر ما لم تكن صادرة عن إخلاص لله وتجرد مؤدية بسبب هذا الإخلاص إلى أثار في القلب تدفع العبد إلى العمل الصالح وتتمثل في سلوك تصلح به حياة الناس في هذه الأرض وترقى. كذلك ليس هذا الدين أجزاء وتفاريق موزعة منفصلة يؤدي الإنسان منها ما يشاء ويدع منها ما يشاء إنما هو منهج متكامل تتعاون فيه عباداته وشعائره وتكاليفه الفردية والاجتماعية حيث تنتهي كلها إلى غاية تعود كلها على البشر. إن من مهام العبادات كالصلاة والزكاة والصوم وقراءة القرآن والأذكار إن من مهامها أن تدفع العبد القائم بها إلى العمل الصالح والخلق النبيل، وقد ذكر الله أن ناساً لم تظهر عليهم نتائج عباداتهم في سلوكهم الاجتماعي مع شريحة اجتماعية لا يخلو منها عصر ولا مصر إنهم الذين فقدوا الصدر الحاني واليد الرحيمة أنهم (الإيتام) فالذين يتعاملون مع الأيتام على غير الحالة اليت ينبغي أن يعاملوا بها أبناءهم من زجراً وعنف في الفعل أو القول هؤلاء لا يعدون في سلك المؤمنين حقاً. وقد سأل جابر بن عبدالله الأنصاري الذي ابتلي بأيتام تركهم أبوه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريقة التي ينبغي أن يعامل بها اليتيم فقال : يا رسول الله مم أضرب منه يتيمي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم مم كنت ضارباً منه ولدك غير ما واق بماله حتى يستغني عنه برشده وبعمله وحسن أدبه. ومن أجل إن كثيراً من الأيتام لا يجدون الرعاية التي ينبغي أن يحظوا بها قال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا وكافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة وأشار بالمسبحة والوسطى ترغيباً في رعايتهم وترهيباً من ضياع حقوقهم أو إيصال الأذى المادي أو المعنوي إليهم حتى ولو كان هذا الكفيل جداً أو أما أو أخاً أو ما إلى ذلك من ذوي الأرحام. ومن ثم أصبحت العناية باليتيم تعد من أفضل القربات لنيل أعلى الدرجات فالذي يعمل بمضمون هذا الحديث يكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من هذه المنزلة. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أول ما يفتح باب الجنة فإذا امرأة تبادرني فأقول من أنت؟ فتقول أن امرأة تأيمت على أيتام لي" فإن في هذا الحديث سرعة دخول كافل اليتيم مع النبي صلى الله عليه وسلم الجنة وعلو منزلته. وهذه الفضيلة تحصل لمن كفل اليتيم من مال نفسه أو مال اليتيم. ولأجل ذلك كانت كفالة اليتيم تعد من أعلى درجات الإحسان " والله يحب المحسنين" ومكافأة هذه الكفالة الدنيوية- العاجلة- هي الشعور بالمتعة الروحية والرضا النفسي، أما المكافئة الآخروية فهي عند الله أكبر وأبقى لأن الكافل يتعامل مع مصرف الإحسان والإنفاق فيه ابتغاء وجه الله والنفقة في هذا المصرف تضاعف إلى سبعين ضعفاً ربحاً حلالاً طيباً من رب غفور شكور (كمثلٍ حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبةٍ...). وقد يضاعف الله عز وجل ثواب المحسن الكافل أضعافاً كثيرة حى تصير المئة الواحدة مئات بل ألوفاً لأن (والله يضاعف لمن يشاء) وكافل اليتيم متصدق بماله وجهده وخلقه ووقته وراحته واستقراره لأن الصغار يحتاجون إلى صدراً واسع لأنهم لا قدرة لهم على التمييز بين الخطأ والصواب. لذلك لما كان الكافل محسناً وليس كأي محسن وكلما ذكر الله عز وجل الإحسان في كتابه العزيز وحث عليه ورغب فيه خص اليتيم وذكره على التعيين وأوصى به ونهى عن إيصال الأذى له أو قهره. وجعل من صفات المكذب بيوم القيامة والقرىن والإسلام الذي يقهر اليتيم أو يظلمه أو لا يطعمه ولا يحسن إليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين