13 سبتمبر 2025

تسجيل

التربية الصوتية للأطفال

15 يونيو 2015

هل سبق لأحد من التربويين أن فكر في أسلوب للتنشئة الصوتية لأطفالنا ؟ لا أظن ، ولم يصادفني في حياتي المهنية أي بحوث في هذه النقطة المهمة الجديرة بكثير من البحث والرعاية ، وقد اخترت مصطلح " التربية الصوتية " الذي يُستَخدَم هنا لأول مرة في الكتابات التربوية العربية ، للدلالة على ما أردت إليه من معان وأفكار ، مستندا إلى ما أخرج البيهقي في [ الخصائص الكبرى (1/ 324) ] عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من أنها قالت : لما قدم النبي {صلى الله عليه وآله وسلم} المدينة جعل النساء والصبيان يقلن: طلع البدر علينامن ثَنيَّات الوداعْوجَبَ الشكرُ عليْناما دعا لله داع وروى هذا أيضا : ابن حبان في سيرته ، والمباركفوري في الرحيق المختوم ، وغيرهما ، والشاهد فيه أن الموسيقا والغناء كانا وسيلتي تعبير عن السعادة والفرحة والبهجة ولم يمنع الإسلام استخدامهما لهذا الغرض .ومن الناحية التربوية ، لا خلاف على أن الموسيقا والغناء من أهم الأنشطة المحببة إلى الأطفال للتعبير عن الذات وتفريغ شحنة الانفعالات ولتأكيد الشخصية والتعرف إليها خلال التفاعل مع الآخرين "الأصدقاء" أو مع الأشياء "آلات وبرامج" أو مع الأماكن "المدرسة.. النادي.." أو مع الأفكار وهي ما تتضمنه عملية العزف من معلومات وأفكار.فمن خلال العزف الموسيقي مع الجماعة يكتسب الطفل شعورا بكيانه وذاته بوصفه وحدة لها دورها ومركزها ومكانها في الجماعة ويتخلى في الوقت ذاته عن الفردية أو الانفرادية لانخراطه في مجموعة يسود فيها شعور التكامل ، يتوحد معها وينصهر بداخلها.كذلك ينطبق الوصف نفسه على الغناء ، وقد لا يملك الجميع القدرة على تسجيل انفعالاتهم أو التعبير عنها عند أدائهم أو سماعهم الموسيقا ، ولكن ترديد الأطفال بعض الأغنيات وبخاصة في جماعة يؤدي إلى بلورة الانفعالات المصاحبة للأغنية أو المعزوفة ووضوح أثرها في التعبير عن الانفعالات ، وحصر وتوحيد الاهتمامات وصهر الفرد داخل الجماعة حتى بين جماعات الكبار.والأطفال أيضًا يمكنهم أن يخوضوا بروحانية وحماس تجربة الانفعالات التي تعبر عنها أغنيات الكبار حتى وإن لم يبلغوا درجة الفهم الكامل لمضمونها. والغناء مظهر عام من مظاهر الموسيقا بالنسبة لمراحل الدراسة المختلفة ليس فقط للفوائد الشخصية والنفسية التي يمكن أن تُجنَى من ورائه ، ولكن أيضًا من أجل تحصيل الخبرة والتجارب التي تحدث وتُكتَسب أثناء ممارسة الطفل هذه الأنشطة المحببة إليه . ذلك أن الأطفال يمكنهم عن طريق تكرار ترديد الأناشيد : حفظها ، ومعرفة الكثير من المقطوعات الموسيقية والألحان ، علاوة على ما تحويه الأغنيات من معلومات وقيم وأمثلة ونماذج تتضمنها الأناشيد ، ويسعى المربون إلى غرسها وتلقينها للنشء ، هذا بالإضافة إلى ما يتضمنه الأداء من عمليات تنمية للقدرات الصوتية وتمرين على استعمال الحواس وتحسين أدائها بما تحتويه من ألحان وأنغام قادرة على خلق القدرة على التذوق والإحساس الجمالي والشعور بالنغم واللحن . ومن هنا تأتي أهمية المواءمة بين مستوى العمل الفني ومرحلة النمو التي يمر بها أفراد الجماعة ومستوى القدرة الصوتية التي لديهم كما تأتي أهمية المواءمة بين نوع النشيد أو المعزوفة ومعانيهما والآثار المترتبة عليهما ، وبين بيئة وثقافة الجماعة التي تؤديهما بمعنى وجوب تضمين أغنيات الأطفال مجموعات من النغمات الأساسية الموجودة في موسيقا مجتمعهم .وما يزال بعض الناس يُرجعون الاختلافات الكبيرة بين مهارات الأطفال في الغناء إلى الموهبة الموسيقية أو ما يعرف بالاستعدادات الموسيقية الفطرية وحدها ويرى أصحاب هذا الرأي أن هناك استحالة في تطوير وتوسيع المجال الصوتي للطفل ، بيد أن هناك عدة عوامل أخرى تتدخل في هذا التفاوت وتتحكم فيه ويقف التدريب على الغناء أو الممارسة الصحيحة لأصوله في المراحل المبكرة على قائمة هذه العوامل فالحس الموسيقي والغناء يتأثر بنفس العوامل التي تؤثر في تطور الكلام والنطق. والحقيقة أن الطفل محتاج – دائما - إلى تدريب مستمر ومراجعة وتصحيح للنطق الخاطئ الذي قد يعيش معه سنوات عدة دون أن يستطيع التغلب عليه أو تصحيحه كذلك يتطلب الغناء جهودا تدريبية منذ المراحل الأولى في عمر الطفل حتى يتمكن في هذه السن المبكرة من التحكم في جهازه الصوتي وجهازه التنفسي بصورة صحيحة تمكنه من استغلال الإمكانيات الذاتية التي يتمتع بها والوصول إلى تحقيق أكبر اتساع ممكن لصوته .وبجانب عامل الممارسة والتدريب الذي اتضحت أهميته في إكساب الطفل المهارات اللازمة للغناء الجيد السليم يوجد ثمة عامل آخر له أهميته في إحداث تفاوت بين الأطفال في اكتساب مهارات الغناء واستغلالها ، ذلك أن الغناء مرتبط إلى حد بعيد بالحالة النفسية والانفعالية للطفل ومن ثم تؤثر المشكلات العاطفية والنفسية على قدرة الطفل على إتقان الغناء والاستفادة من تدريباته النفسية ومن هنا كان من الواجب على مدرس الموسيقا والغناء أن يكون ملما بالدراسات التقنية والفنون التربوية ووسائل التعامل مع الصغار ليتمكن من تلمس مشاكلهم والتعرف إلى ما يعوق تقدمهم من أسباب أو ضغوط نفسية بجانب تمكنه من تعليم الغناء للأطفال وتوجيههم إلى أفضل الوسائل التي تنمي قدراتهم الأدائية والإدراكية معا. وتحرُّج الطفل من الغناء بمفرده أمام الكبار أو الأصدقاء نتيجة لضغوط داخلية لديه أو لعدم قدرته على مسايرة زملائه وتقليدهم أو لوجود عيب أو ضعف في صوته يمكن أن يجعله يحجم عن الغناء الجماعي ويتسبب في تكون فكرة سيئة لديه عن هذا النشاط لكن الدراسات التربوية الحديثة أثبتت أن الغناء الجماعي يخدم الكثير من هذه الحالات ويأخذ بيدها نحو التقدم . وأي طفل يغني في سن مبكرة ، ولفترات كافية ، بطريقة صحيحة بسيطة سيصبح قادرا على الغناء والتقليد بصورة طيبة ومقبولة مهما تكن إمكانياته الموسيقية الموروثة. ويتعلم كثير من الأطفال الذين لا يجيدون الغناء من مصاحبة أقرانهم مرددين ما يسمعون منهم ، ولكن هؤلاء يتحسن صوتهم إلى درجة جيدة من خلال بيئة تعليمية مناسبة وبمساعدة مدرس ناجح، ولعل من الأسباب التي تؤدي إلى تفوق بعض الأطفال عن أقرانهم في مهارات الموسيقا والغناء ما يحظون به أثناء تدريبهم على هذا العمل أو ممارستهم له في بيئاتهم الأسرية من تشجيع وتحفيز يدفعهم إلى مزيد من المحاولة والتجويد ، فالثواب والتشجيع والإطراء يؤتي ثمارا طيبة ونتائج إيجابية واضحة لا تتوفر في ظل العقاب والتأنيب المستمر الذي كثيرا ما يخلق في الطفل الخوف والتردد وضياع الثقة بالنفس وكلها عوامل تعوق الطفل الصغير من مواصلة طريقه نحو النجاح والتميز.