14 سبتمبر 2025

تسجيل

على ضفاف التغافل

15 يونيو 2014

لم يعد يكترث! ولم يعد يُدير بالاً للمُهاترات التي تتمايل حوله كالأفعى!"هناك أشياء مُستجدة...انتبه!! " يقول له أحدهم.ولكنه فضّل أن يضع داخل أذنيه شاشا قطنيا يحول دون أن يسمع ما يحدث حوله أو كلمات التحذير وأبيات العتاب المملة... وأحياناً يكتفي بتفجير طبلة أذنه بموسيقى صاخبة وهو يتأمل شفاة أحدهم وهي تتحرك موجهة له شيئاً من الكلام الذي لا فائدة منه. على ضفاف التغافل قرر أن يُكمل ما تبقى من عُمره... يحمل حقيبة ممتلئة بالمُذكرّات... وفي عمقها مدينة بلا ساكنين...ليست إلا بيوتاً من طين... وساكنوها قد هجروها منذ زمنٍ بعيد...صورة على الحائط مكسورة... في منزله الصغير... قطع هشة من أصباغ حائطه متناثرة على الأرض، يرى نفسه في المرآة فيُخاطبها بجفاء... أهو حزن؟ أم عتب؟ أو قد يكون مجرد ملل لا أكثر!يمرر قلمه على دفتره فيسمع صريره صارخاً، لم يكترث يوماً لمصلحته بقدر الاستماع إلى آلام الآخرين والشعور بأنينهم في صدره الشجيّ... غالباً ما يعود إلى منزله أو يسير وسط المباني وعينيه تدر دموعاً كثيفة تكاد تُغرق المكان فتُعلن بعدها حالة الطوارئ...هكذا كانت حياته... ومع ذلك يرونه...المخطئ... المُدان...المذنب...الأثيم! لذا قرر أن يعيش على ضفاف التغافل...ربما كان ذلك أمثل! وسيجعله يعيش في حال أفضل بلا تذمر مُباغت... أو حزن كنود... فتُسيّره الحياة كما شاءت، دون أن يهمس بحرف مُعاتب... أو يحرر غريزة المقاتل الفطرية بداخله في سبيل قضية ما... فقد كان يؤمن بما قاله أحد الحكماء اليابانيين (مياموتو موساشي): " المحارب هو من يستخدم القلم والسيف بمهارة متساوية"... أما الآن فآثر أن لا يستخدم السيف... فقط يستخدم القلم بعض الوقت لينثر خربشاته اليومية على مفكرته... ماذا فعل؟ أين التهم طعامه؟ آخر كتاب قرأه؟ أجمل " كاب كيك " تذوقه؟ وغيره.... قد يكون التغافل هو الطريق الآخر الذي يمكن أن يسير به عندما يجد بأنه لا توجد أدنى فائدة من تكرار إبداء النصح لأحدهم أو رشق الحجارة على إحدى الصفات الوضيعة التي يتحلى بها شخص ما...أو فرك عين "سين" من الناس لكي ينظر حوله بوضوح ويفوق من غفلته اللامتناهية... روايات...مذكرات...خربشات تباغت ليله ونهاره...انتعال الأرصفة والمشي طويلاً بلا هدف...هذا هو اختصار حياته في الوقت الراهن...قد يؤلف كتاباً ما في يوم من الأيام وبه بقايا طموحه... أو قد يكتب سطوراً لا تُعبّر عن شيء أو من وحي الخيال.... ولربما يعود مرة أخرى مرتدياً رداء المُقاتل...مستلاً سيفه ليقاتل بشراسة!من يدري؟!!