12 سبتمبر 2025

تسجيل

لكم «النكبة» ولِيَ «الحرب والإبادة»

15 مايو 2023

أول كلمة في الإسلام «اقرأ»، ومع ذلك لا نوّلي أهمية للكلمة في قاموسنا السياسي العربي، لأننا نعتمد في كثير من مصطلحاتنا على توصيف الغرب لمجتمعاتنا وللحروب التي تحدث في بلادنا والظواهر السياسية في حياتنا. نُعربّ ما يستخدمه الغرب في كتاباتهم وتصريحاتهم السياسية، دون دراسة الأثر الفعلي لهذه المصطلحات على موقعنا في خريطة العلاقات الدولية. وفي أحسن الأحوال، نستمد من شعرائنا التوصيف السياسي بناء على مشاعرنا وانفعالاتنا، ربّما لأننا نخاف بطش سلاطين السياسة وتسمية الظواهر بمسمياتها. هبّت رياح «الربيع العربي» بتوصيف غربي، اندهشنا بالمصطلح وعرّبناه وأدخلناه في قاموسنا السياسي، واختلفنا على تعريفه بين دولة وأخرى، واحدة مؤيدة وأسمتها بالثورة، وأخرى معارضة أسمتها التمرّد. ولأسباب متعددة، كُتب علينا استيراد المصطلحات السياسية في العلاقات الدولية، لأنه علم قائم بذاته في الدول الغربية، بخلاف ما لدينا، مع محاولات متواضعة من كلياتنا للانتقال من التعريب إلى العربية، بتكليف رسميّ، يُحدد توجهاتنا وغاياتنا، ومن ثم نُصفّ ظواهرنا السياسية بكلمات انفعالية، مُجردة من أركانها السياسية والقانونية. نتداول كلمة «النكبة» منذ أكثر من 75 عامًا، وما كرّسنا فيها إلا الهزيمة والخيبة. يُفيد المؤرخون أنها تعود إلى المؤرخ قسطنطين زريق، نائب رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت الذي استخدم هذا المصطلح في كتابه «معنى النكبة» الصادر في أغسطس 1948. فيما يقول آخرون ان الشاعر المصري أحمد محرّم، هو أول من استخدم هذا المصطلح عام 1933، من خلال قصيدته بصحيفة البلاغ المصرية، بعنوان «نكبة فلسطين»، والبعض ينسب استخدامها بادئ ذي بدء إلى «نكبة البرامكة» إبّان حُكم الخليفة هارون الرشيد. في مقاربة بسيطة، نرى أن الصهاينة يستخدمون كلمة «هولوكوست» وهي تعني الكارثة بالعبرية، ولكن تم ترويج هذا المصطلح في المشهد السياسي والاجتماعي والقانوني وتعريفه على أنه محرقة للبشر، أو معسكر للإبادة، والقتل الممنهج لليهود، وبالتالي أصبح كل من يُنكر حدوث «الهولوكوست»، هو شخص يُعاقب قانونيًا، منبوذ اجتماعيًا وإنسانيًا، ويتم إقصاؤه مهنيًا، لأنه إرهابي الطبع والميول والهوى. قد تكون حجة البعض أن الصهاينة نافذون في الأروقة الدبلوماسية، والأدبية، والأكاديمية، والإعلامية، والقانونية، وقد نجحوا في دسّ كلمة «المحرقة اليهودية» في مختلف المجالات لا سيّما وأن نشأة علم السياسة والعلاقات الدولية، ودراسة القانون الدولي غربية، وأن توصيف الظواهر السياسية يحتاج إلى لغة أكاديمية عالمية. ولكن ما هي حجّتنا ونحن نُوصفّ «نكباتنا» بعواطفنا وأقلام شعرائنا، لأنّ هذا ما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا، ولأن المسؤول عن اعتماد التصريحات السياسية لا يرغب بتحميل الغرب المسؤولية القانونية الفعلية. هذه هي الذكرى الـ75 لاستمرار الميليشيات الإسرائيلية في ارتكاب جرائم الحرب والإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، ومعاداة الفلسطينيين، والتحيز ضدّهم، وممارسة سياسية القتل الممنهج ضدّهم. أما النكبة فهي لمن اكتفى باللطم وإصدار البيانات الوجدانية.