19 سبتمبر 2025
تسجيلاختلف علماء اللغة والروائيون حول تحديد مصطلح السيرة، التي حفلت بها الرواية العربية. ومصطلح السيرة يعني "التحدث بأحاديث الأوائل وسرد أخبارهم"، كما دلل على ذلك الفيروز آبادي وابن منظور. ومن هذا المنطلق كان هنالك الظهور "العام" للسيرة، وبعد ذلك تطور المفهوم ليشمل الظهور "الخاص" في السيرة الروائية. وهو الشكل الأدبي الذي تم تعريفه بـ"درس حياة فرد من الأفراد ورسم صورة دقيقة لشخصيته" (أحمد آل مريع، السيرة الذاتية، مقاربة الحد والمفهوم، ص 15). ولقد وصف المفكر الإنجليزي توماس كارليل (Thomas Carlyle) السيرة كالتالي: "السيرة حياة إنسان، وقد نَعتت الموسوعة الأمريكية هذا الوصف بأنه أوجزَ تعريفٍ للسيرة " (المصدر السابق، ص 16).وهنالك السيرة الذاتية، واتفق على تسمية هذا النوع من الأداء الأدبي ترجمةَ ذاتية (Autobiography) والسيرة الغيرية (Biography) . ومن أمثلة ذلك "الأيام" لطه حسين، و"سبعون" لميخائيل نعيمة، وأعمال توفيق الحكيم.. وغيرها. ولقد حفظ لنا التاريخ نماذج لفن كتابة السيرة الذاتية، مثل سيرة "ابن منقذ" القائد العسكري، و"أبو حامد الغزالي"، و"ابن خلدون"، و"الأسيوطي"، و"الفخر الرازي"، وغيرهم. واتُفق على أن هذا النوع من الأدب "يعود إلى عهد الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، حيث رُصدت حياته وغزواته، ومن أشهرها ما كتبه ابن هشام، وما كتبه ابن اسحق، والواقدي و أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي، حتى العصور الحديثة على نحو ما فعل العقاد في سلسلة "العبقريات"، ومحمد حسين هيكل في "حياة محمد" وطه حسين في "على هامش السيرة"، وغيرهم" (عبد الفتاح صبري، التعالق مع السيرة الذاتية، ص 19).ويُرجع بعض الباحثين هذا الفن الأدبي إلى اليونانيين، حيث اعتبروا أن الترجمة والسيرة الذاتية تعبران عن معنى واحد، ويعنيان تحديدًا هذا النوع من الكتابة التي يروي فيها المؤلف حياته بقلمه". (المصدر السابق، ص22). ونظرًا لخصوصية المجتمع العربي، ووجود قانون "العيب" أو المحاسبة الاجتماعية، لجأ كُتّاب السِيَر الذاتية الخاصة إلى "التحايل" أو "خيانة الفن الأدبي، بإخفاء بعض الحقائق، أو المبالغة في الوصف، في بعض الحالات، ما أفقد النص قيمته الحقيقية وأزال عنه "صدقيته"، وسقط بذلك مفهوم العقد الضمني بين الكاتب والقارئ.وهنالك من الكُتاب من يلجأ إلى "التواري" خلف شخصية من الشخصيات ويجعلها تتحدث أو تفعل ما يريد الكاتب أن يقوله أو يفعله. وفي هذا يقول الدكتور عبد الله إبراهيم: "أظهر التحليل أن ابن طفيل لجأ إلى المواربة، والتكتم، وتوسّل بالحكاية الرمزية نظيرًا تمثيليًا لحكايته المضمرة، جاعلًا من شخصيتها الأساسية قناعًا له، لسببين اثنين، هما: قصور وسائل التعبير، والخوف من فضح إشراقيته، لكن المتن السردي للحكاية السيّرية قدّم كشفًا باهرًا للمشكلات الدينية والدنيوية التي تعترض الإشراقيين، ومنهم ابن طفيل. (د.عبد الله إبراهيم، السيرة العربية ..تشكل النوع الأدبي والبنية السردية، ص 52) .ولقد حدث الشيء نفسه في بعض الأعمال الروائية القطرية، التي لم يستطع الكاتب أو الكاتبة الظهور الواضح، وظهرت بعض الأعمال بشكل "تصويري فوتوغرافي" افتقد إلى الحسّ الأدبي، الذي يشكل أساس السرد الروائي. إن قصر التجربة لدى بعض الكتاب يبرر هذا الاتجاه، ناهيك عن قانون "العيب" وتداعياته. خصوصًا لدى الكاتبة "الأنثى" التي لا تزال تحاذر من البوح الحقيقي، أو السرد الواضح لمجريات الأحداث التي "تلتقطها" كاميراتها التاريخية . كما جاءت بعض السِير الروائية على شكل "مذكرات تسجيلية" لأحداث يومية تحدث للكاتبة، وهي متوارية خلف النص، أقرب للتسجيل الصارم الذي لا يلتفت إلى ماهية الأدب أو دور اللغة بكل أبعادها الجمالية في تشكيل النص السِيري. ونتج هذا بسبب عدم وضوح المصطلح الروائي، ودخول المذكرات اليومية من نافذة الرواية، الأمر الذي اعتُبر "تطفلًا" غير حميد في فن الرواية النبيل.إن شرط الصدق يجب أن يكون واضحًا في السرد الذاتي/السيرة الروائية، ويجب ألا يتدخل الكاتب كثيرًا في "تنقية" النص، وتقريبه من حالة "التصنّع" المشوه الذي يُربك القارئ، ولا يقدم له نصًا إبداعيًا جماليًا كما يتوقع.