24 سبتمبر 2025

تسجيل

"دربيل" مبادرة تستحق التنويه والإشادة

15 مايو 2012

مع إطلاق أي مشروع مبتكر لخدمة الطفولة العربية، يرقص القلب فرحا، وينتشي غبطة وسرورا، ذلك أن هذه الطفولة تعاني من ظلم الكبار الذين لا يهتمون بهذه الشريحة العمرية منذ نعومة الأظفار، تربية وثقافة وتعليما وإبداعا.. ولعل السبب الذي يقف وراء ذلك ـ بكل بساطة ـ هو أن فاقد الشيء لا يعطيه، فمن لا يهتم بعالمه (الكبار) فكيف يتوقع منه أن يهتم بعالم غيره (الأطفال والناشئة والشباب)، ومن يهمل نفسه في هذا الجانب، فكيف ينتظر منه أن يرعى غيره. مصدر السرور هذه المرة مبادرة من المتوقع أن يثير اسمها فضولكم، ويحظى مضمونها باهتمامكم ومتابعتكم، والقصد من هذا المقال في المقام الأول شكر القائمين عليها، لمجرد تفكيرهم بإصدارها، والتعريف بها وتقديمها للمهتمين والمعنيين من التربويين والإعلاميين والباحثين في مجال الطفولة والشباب، أكثر من التقييم والنقد. الاسم "دربيل"، والمشروع عبارة عن مجلة بحثية محكمة متخصصة في بحوث الناشئة، قام بإعداد أبحاثها العلمية طلاب في المراحل الدراسية المختلفة (للفئة من 10 ـ 18 عاما)، وصدر العدد الأول منها قبل أيام قليلة عن المركز الثقافي للطفولة بدولة قطر، وأعتقد أن هذه المبادرة غير مسبوقة في مجالها على المستوى العربي، فلا أكاد أعرف جهة تبنت مثل هكذا إصدار. ولمن لا يعرف اللهجة الخليجية، فإن كلمة " دربيل" وهي اسم المجلة، من اللهجة القطرية الشعبية بمعنى " المنظار"، وإن كانت مشتقة أصلا من اللغة التركية بمعنى تقريب البعيد، ووفقا لهذا المعنى فإن اختيار هذا الاسم موفق جدا لأنه يرمز إلى البحث والاستكشاف، ومع تقديري لربط الاسم باللهجة الشعبية القطرية، لأنه تذكير بتراث طيب، إلا أنني كنت أفضل أن يكون أصل الكلمة المحلية مرتبط بجذر عربي وليس بأصل غير عربي، وما أكثر ارتباط مفردات المحكية الخليجية بلغتنا العربية الفصيحة. أما على مستوى الفكرة والمضمون فإنّه يمكن قول ما يلي: ـ أن هذه المجلة رائدة في مجالها، لأنها سدت ثغرة في مجال نحن بأمس الحاجة إليه، لأكثر من سبب، ويأتي في مقدمة ذلك: الاهتمام بالجانب البحثي الذي يعنى بالناشئة، ذلك أننا لا نكاد نعثر على أثر لذلك بين مجلات الأطفال أو المجلات البحث المتخصصة، ويرتبط ذلك بالنقص الواقع عموما في المطبوعات والإصدارات المتعلقة بذلك كما ونوعا. ويضاف إلى ما سبق أن من قام بهذه الأبحاث، وبالتالي إنجاز هذه المجلة عمليا هم الناشئة أنفسهم، مع أهمية ذلك في أن يتحسس أصحاب الشأن شأنهم، وأن يعالجوا مشاكلهم بأنفسهم ويطرحوا أنسب الحلول الناجعة لها، فضلا عن ممارسة البحث العلمي والتدرب عليه من الصغر لبناء الذهنية التي تعتمد على ذلك في اتخاذ القرارات السليمة، وإدراك أهمية البحوث العلمية في التنمية والتطوير. وإذا كنا نشكو من غياب المنابر العملية والتطبيقية أو من ندرتها في الجوانب العلمية والتركيز بصورة أكبر على النواحي النظرية في التعليم والعمل الإبداعي فإن أهمية مثل هذه المجلة تكمن في توفير مثل هذه المساحة وإبراز آثار الجوانب العملية، وتشجيع الباحثين على رؤية ثمرات أعمالهم، وحفز غيرهم على التأسي بهم، والإفادة مما وصل الجهد التراكمي السابق وعدم تكراره. وعلى مستوى المركز الثقافي للطفولة فإن المجلة تأتي في سياقها الطبيعي لأنها تندرج في إطار نشاطه الخاص بنادي الباحثين التابع له، وهو ناد علمي يسعى لتنمية روح البحث العلمي وملكته لدى الأطفال، وفق المنهج العلمي الصحيح واكتشاف الطاقات المبدعة ودعمها وفقا لرؤية قطر 2030 والإستراتيجية العامة لتنمية الأسرة في دولة قطر، وبخاصة أن الأبحاث نفذت بعد أن تلقى الطلاب المشاركون بالمجلة دورات تدريبية نظمها لهم المركز، حول أساليب البحث الاجتماعي وطرق كتابته وأشرف عليها أساتذة متخصصون. ـ الكثير من الأبحاث المقدمة ارتبطت بمشاكل الطفولة عموما في ظل عولمة وسائل الاتصال، وبالبيئة المحلية، بمعنى أنها ارتبطت بإشكاليات فعلية يمكن أن تقدم حلولا، أو مقترحات مفيدة للناشئة ولمجتمعاتهم، وليست من قبيل الترف الفكري، أو الاهتمام بأمور بعيدة عن الواقع، مثل: باصات المدارس..مشكلات وحلول، استعراضات السيارات " التفحيط"، الخدمات التعليمية المقدمة لذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها. وما نوصي به من أجل أن يمضي هذا المشروع قدما في تحقيق غاياته المنشودة: ـ الاستمرار، والانتظام، لأن بعض مشاريع المركز الثقافي للطفولة، وأمثاله من المراكز والهيئات المماثلة، يكون عرضة للتوقف أو عدم الانتظام. ـ التأكيد على الاهتمام بجوهر عملية البحث العملي في المجالات الاجتماعية والبحوث الميدانية، وإتقان الناشئة لمهاراتها، بحيث تعكس المجلة ذلك فعلا لا شكلا " برستيجا"، وعلى أن يتم التركيز أولا على المتميزين والموهوبين، وصقل مهاراتهم، وتمكينهم من الممارسة الميدانية، واقتصار دور المشرفين ـ من المدرسين ـ على الإشراف والتوجيه والنصح فقط. ـ منح جوائز مجزية لأصحاب البحوث المتميزة وتكريمهم على المستوى الوطني، لضمان تشجيعهم لمواصلة هذا الجهد مستقبلا، وحث أقرانهم على الالتحاق بهذا الركب. ـ فتح المجال في المستقبل لمشاركة الناشئة في الخليج والعالم العربي في أبحاث هذه المجلة، للخروج من النطاق المحلي إلى العربي، وفق ضوابط معينة، وهو ما من شأنه أن يكسب المجلة أهمية وشهرة أكبر، ويزيد من حجم الإفادة منها.