11 سبتمبر 2025

تسجيل

هل يريدون العنب أم رأس الناطور؟

15 أبريل 2021

قبل أكثر من عشر سنوات، فازت دولة قطر بتنظيم بطولة كأس العالم 2022، وها نحن نقترب من ولوج السنة الموعودة التي كنا نراها بعيدة وتراها الحكومة قريبةً، خلال تلك السنوات العشر التي مرت سريعاً، حققت دولة قطر نقلة نوعية على كافة المستويات، ونجحت في تحقيق نهضة شاملة ستدوم لنا لسنوات طوال، وقد أشاد العالم بتلك النهضة التي لا تخطئها عين منصفة، كما ان دولة قطر كانت وما تزال على قدر الثقة التي أولاها العالم إياها، ولم تخيّب ظن من صوت لصالحها لاستضافة البطولة. ونجحت في الالتزام بما وعدت به، إلا ان المقطوعة التي يعزفها الجميع لابد ان يكون فيها صوت نشاز. منذ إعلان الفوز في عام 2010 إلى يومنا هذا لم تهدأ تلك الأصوات النشاز، والتي لم تفلح في ثني قطر عن تحقيق ما وعدت العالم به، فالثقة التي أولاها العالم لدولة قطر لم تأت من فراغ، بل انها نتيجة وانعكاس لما حققته خلال العقدين المنصرمين من التزام بالمواثيق والعهود، والتزامها تجاه المجتمع الدولي، لتتبوأ بذلك مكانة مرموقة اثبتت للعالم من خلالها انها دولة ذات تأثير في المنطقة والعالم أجمع. لقد شنت تلك الأصوات النشاز حملات إعلامية ممنهجة وحملات مقاطعة وتنديد واحتجاجات مدفوعة الأجر، بهدف النيل من سمعة قطر والتغرير بالرأي العام الدولي وايهامه بأن قطر دولة تنتهك حقوق الإنسان وغير ملتزمة بحقوق العمال، بجانب اتهامات بالتشغيل القسري للعمال أو تشغيلهم في ظروف سيئة، وقد استغلت تلك الأصوات ملفا حقوقيا بعيدا عن مثاليتهم الزائفة ود ذلك الملف ان يقول لهم دعوني. تتكشف لنا المثالية الزائفة بالنظر إلى أن تلك الحملات التشويهية التي طالت قطر، تمت بمنهجية وتنظيم محكمين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يمكننا كشف زيف تلك الحملات إذا ما اخذنا بالاعتبار أن دول الخليج ومنذ اكتشاف النفط فيها استعانت بالعمال من دول عدة حيث أسهم اولئك العمال اسهاما بارزا في نهضة دول الخليج منذ اكتشاف النفط منذ أكثر من سبعين عاما، وخلال تلك الفترة لم نسمع لتلك المنظمات صوتاً كالذي نسمعه اليوم! فهل اصبح العمال بين ليلة وضحاها محور الاهتمام بالنسبة لبعض المنظمات الدولية ووسائل الاعلام العالمية التي تشن الحملة تلو الأخرى منذ ان فازت قطر بتنظيم بطولة كأس العالم؟ وهل اصبح العمال مهمين بالنسبة لهم اليوم ولم يكونوا كذلك من ذي قبل؟ ثم ماذا قدمت تلك المنظمات للعمال الذين يضطرون للهجرة وترك أسرهم وأطفالهم خلفهم سعياً وراء الرزق بعد ضاقت بهم الأرض بما رحبت وتدمرت أوطانهم بسبب الحروب والصراعات والجهل ناهيك عن الاستغلال الذي تعانيه بعض الدول النامية من قبل الشركات العابرة للقارات التي تؤسس المصانع في تلك الدول الفقيرة وتستغل العمال ابشع استغلال ليصنعوا سلعا تختلط بعرق جبين الكادحين ليتم تصديرها للدول المتقدمة وتباع بأثمان باهظة بعد ان دفعوا مقابلها اجورا زهيدة واثمانا بخسة للعمال المستضعفين. عندما ننظر لهذه المسألة بروية، يتبادر إلى الذهن سؤال عن الاهداف الكامنة وراء تلك الحملات التشويهية التي تزامنت مع فوز قطر بتنظيم البطولة، فهل تهدف تلك الحملات إلى تحسين الظروف المعيشية للعمال كما تدعي، ام انها تهدف لافشال الاستضافة وسحبها من دولة قطر حسداً من عند أنفسهم وأمنيات لم يقرنوها ببرهان لو كانوا صادقين؟ وإذا كان الهدف تحسين وضع العمال كما يرفعون ذلك شعارا يخفون خلفه ما يخفون، لماذا لم يهتز لهم رمش تجاه العمال الآخرين في دول أخرى في الوقت الذي تشير فيه التقديرات إلى أن عدد العمال في بعض الدول العربية بلغ بنهاية عام 2015، 13 مليوناً وهو رقم في ازدياد بلا شك. من جهة اخرى، عندما ننظر لتلك الادعاءات الموجهة ضد قطر حصراً نجد انها متناقضة، ففي الوقت الذي تدعي فيه تلك الحملات المغرضة انها تسعى لتحسين ظروف العمال، نجد ان هناك اصواتا متزامنة مع تلك الحملات تطالب وكما اسلفنا بسحب البساط من تحت اقدام قطر والغاء البطولة، بحجة حقوق العمال! فهل سيهنأ بال من طالبوا بتلك المطالبات بتسريح العمال واعادتهم إلى بلدانهم ليتم استغلالهم مع اقرانهم من قبل الشركات العابرة للقارات؟. إن هذه الاصوات النشاز التي تدعي المثالية لم تأت من فراغ، بل انها استمرار للمسلسل القديم والنظرة الفوقية التي ينظر بها بعض الغربيين لدول الشرق الاوسط، فهم لا يرون فينا جميعا سوى مخازن للطاقة لا نحسن التصرف بما بين ايدينا، ونحتاج دائما إلى من يوجهنا ويعلمنا الكتاب والحكمة، وهم بحملاتهم الموجهة ضد قطر يوجهون رسالة لدول المنطقة مفادها باننا لن نسمح لدولكم بأن تتبوأ مكانة عالمية أو ان تنظم بطولة بحجم بطولة كأس العالم لكرة القدم! وفي حين أن البطولة يفترض بها ان تجمع الشعوب لا ان تفرقها، أبى البعض إلا ان يكشف عن الغل الكامن نفسه عبر اطلاق الاتهامات الواهية والأكاذيب الواهنة. لقد سبق العديد من الدول الفوز بتنظيم بطولة كأس العالم خلال السنوات الماضية، على الرغم من انها تعاني ما تعانيه من فقر وبطالة وانتشار للجريمة والمخدرات، بجانب الملفات الساخنة لانتهاك حقوق الانسان المثخنة بالمآسي والانتهاكات، ومع ذلك لم نسمع نفس الاصوات النشاز وهي تندد بتنظيم البطولة في تلك الدول الغارقة في الفساد والجهل والمشاكل، كما لم نسمع لها صوتاً ناقداً لتعامل الدول"المتقدمة" مع ملف حقوق الانسان والمهاجرين الذين يعاملون معاملة مزرية ويتم انتهاك حقوقهم وتشغيلهم في ظروف صعبة بعد ان شُردوا من أوطانهم وذهبوا يبحثون عن حياة كريمة عادلة فلم يجدوا امامهم بعد ان ركبوا رحلات الموت إلى سواحل اوروبا سوى الويلات، كالمستجير من الرمضاء بالنار. ومع ذلك لنا أن نتساءل هنا ماذا ستجني بعض المنظمات الدولية التي تقود الحملات المغرضة ضد قطر بفقدان العمال لوظائفهم ومصدر رزقهم، اذا ما اخذنا في الاعتبار ما تشير اليه التقديرات من ان الحوالات المالية للوافدين في دولة قطر بلغت في عام 2019- 11.9 مليار دولار، في حين ان هذا الرقم يتضاعف بالنظر الى حوالات الوافدين في دول الخليج مجتمعة، حيث يتجاوز ذلك الرقم المائة مليار دولار، ولنا ان نتصور هنا عدد الافواه التي تطعمها والاسر التي تعولها تلك الاجور المتحصلة من العمل في دول الخليج. فلماذا لم ينظر إلى هذا الجانب الايجابي بشكل معتبر ومنصف؟ ثم هل ان بعض المنظمات ووسائل الاعلام التي تقود تلك الحملات المغرضة تريد "العنب" أم انها تريد رأس "الناطور"؟! وماذا ستجني من وراء السعي لتحقيق امنياتهم التي لن ينالوها بسحب تنظيم بطولة كأس العالم من دولة قطر، وهل سينعمون براحة الضمير وهم يرتدون الملابس الأنيقة وينظّرون أمام شاشات التلفزة ويتهمون قطر باضطهاد العمال في الوقت الذي تنهار فيه المباني في بنغلادش وتقتل آلاف العمال في مصانع النسيج وهم يحيكون قميصا زهيداً ليرتديه المنظر الغربي المتحضر ويطالب بحقوق العمال في قطر.