10 سبتمبر 2025
تسجيلفي عام 1993، انتهى "شكلياً على الأقل" نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، أو ما يسمى بالـ(الأبارتايد)، والقائم على هيمنة وسيطرة وحكم الأقلية البيضاء لجنوب إفريقيا القابعة في قلب القارة السمراء، وفي عام 2010 استضافت جنوب أفريقيا التي عانت ويلات الفصل العنصري والصراع، بطولة كأس العالم، متصدية لهجوم لم يرحم تاريخها المثقل بالإرث الأوروبي الاستعماري، إلا أنه لم يصل إلى الدرجة التي وصل لها الهجوم الممنهج والبغيض الذي تعرضت وتتعرض له دولة قطر. يعكس الهجوم الإعلامي المسعور والمتصاعد مع قرب البطولة، العنصرية التي لاتزال متأصلة في عقلية متوهمي التفوق، ولكنها تتمثل في صور ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وتنم عن فوقية واستعلاء لم يتجسد في الهجمات التي تتعرض لها قطر وحسب، بل تجسدت في مواقف عديدة ليس آخرها ما تكرر في عدة وسائل إعلامية عالمية وبعدة لغات تعليقاً على الحرب الأوكرانية "نحن لا نتحدث هنا عن سوريين أو عراقيين أو غيرهم من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نتحدث عن أوروبيين يشبهوننا". بعض الدول الأوروبية ووسائل إعلامها "المحايدة" التي تقود تلك الحملات المشبوهة ضد استضافة قطر تناست قضايا عديدة وجوهرية، أو أنها لم تولها الأهمية ذاتها التي أولتها لملف استضافة قطر للبطولة، وهو ما يدل على أن تلك الأصوات التي تعالت وبُحت مدعية أنها تدافع عن حقوق الإنسان، استخدمت الحجة الأخيرة كغطاء يخفي الأحقاد المفضوحة، وإلّا أين هي حقوق الإنسان من جثث أطفال المهاجرين التي تقذفها أمواج البحر الأبيض المتوسط على سواحل أوروبا الإنسانية الغناء، أو من جياع إفريقيا التي تستبيح أوروبا ثرواتها، أم أن تلك الحقوق لا تنتهك "بحسب زعمهم" سوى في بلادنا، وكما قال وزير الخارجية القطري "ليست لدى الحكومة (الألمانية) مشكلة معنا عندما يتعلق الأمر بشراكات أو استثمارات في مجال الطاقة"، إذا فالمشكلة في استضافة قطر للبطولة وليس دفاعاً عن حقوق الانسان إنه النفاق يا سادة. لقد اقتربت صافرة البداية بعد 12 عاماً من العمل الدؤوب الذي غير وجه البلاد وحقق نقلة نوعية ستبقى إرثاً للمستقبل، ومع قرب انطلاق صافرة البداية تتعالى الحملة المسعورة و"الفاشلة" شيئاً فشيئاً، حتى كادت تفلس، فتركيز تلك الحملة على قضية الشذوذ أمر مستغرب ومثير للاشمئزاز، ليس لكونها مثار اشمئزاز لذاتها وحسب، بل لأن صحفيين عالميين أصحاب مهنية أخذوا في التركيز بشكل مبالغ فيه على قضية أن يمسك شخصان بأيدي بعضهما البعض ويسيران في شوارع الدوحة، وماذا سيحدث لهم إن هم قاموا بهذا الفعل!! هل هذه قضية تستحق كل هذه الضجة، وما دخل هذه "السفاهة" في بطولة يفترض بها أن تكون أداة للتقريب بين الشعوب، لا بين الشواذ! إن قضية الشذوذ أو المثلية تجاوزاً قضية ممنهجة لها أهداف مشبوهة، وأصبحت من القضايا التي تهدد واقعنا ليس في كونها ظاهرة اجتماعية، بل لما يحيط بها من أمور مريبة، فالتركيز العالمي عليها يفوق التركيز على قضايا أخرى أكثر أهمية وإلحاحاً، وانتقادها أو التعبير عن رفضها والصدح بالرأي ضدها أصبح خطراً يهدد صاحبه، وإن لم نتنبه لها ستكون كالشوكة في خاصرتنا وكالسلاح المشهر في وجوهنا. وأخيراً يحضرني ما قاله حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، "في هذه البطولة، التي تقام لأول مرة في دولة عربية ومسلمة، ولأول مرة في الشرق الأوسط عموماً، سيرى العالم أن إحدى الدول الصغيرة والمتوسطة قادرة على استضافة أحداث عالمية بنجاح استثنائي". نعم سيرى العالم أن الدول لا تقاس بمساحاتها، وأننا بوحدتنا أقوى، وأن البطولة ستحقق نجاحاً استثنائياً، وسنستخلص من هذه البطولة الدروس والعبر لنعلم بشكل أفضل من هو الصديق ومن العدو، وستكون سبباً في تقارب دولنا وتوحيد كلمتها لمواجهة ما يحيط بها من أخطار تهدد كياننا ووجودنا.