20 سبتمبر 2025

تسجيل

الهوية السردية 1

15 أبريل 2020

في ستينيات القرن الماضي حتى أوائل الثمانينيات منه، كانت الفرجان في قطر مكاناً رائعاً لممارسة الهوية كسرد. في الريان حيث كنت أعيش كانت أجزاء من جميع عوائل قطر وقبائلها تقريباً تقطن هذه المنطقة التاريخية من قطر. بمجرد أن تخرج من بيتك أنت في علاقة أفقية مع الآخر المختلف عائلياً وقبلياً في جوف الفريج نُنشئ علاقة مع الآخر الأجنبي، الذي من جنسية أخرى غير قطرية: صاحب الدكان، وراعي القهوة، والزراع، نتقهوى في مجلس أحد الشيبان ونتعشى على "دجة" آخر من عائلة أخرى، هكذا بكل تلقائية، وفي المجلس المجتمع كله يلتقي نظراً لهذا التنوع الموجود في الفريج، لا نعرف القبلية، ناهيك عن الطائفية، العلاقة قائمة على الالتقاء لا تكاد تحس بالعمق بقدر ما تستطيع أن تلمس وتحس باللقاء وحرارته، الذي جعل الفريج خالياً من الغموض الذي يربي الخوف ويُنشئ الستار بين الأفراد. هذا الاختلاف الجميل جعل من الحياة هوية، لم نكن في تشابه من حيث الانتساب لقبيلة واحدة أو لعائلة واحدة، لم نكن ننتسب إلى قطر من حيث تاريخ التواجد فيها، لم نكن جميعاً على مستوى واحد ومسافة واحدة من السلطة. السلطة كانت مبثوثة في كل مكان كرموز من العائلة الحاكمة أو الوجهاء. الالتقاء شبه اليومي بهم والتشاور والتناصح والتداول المستمر لمشاكل الفريج؛ هذا التمازج أوجد هوية سردية تعيش وجودها بقدر تواجد الآخر، هذا الاغتناء أوجد قطرياً يعي ذاته بقدر وجود الآخر غير القطري، كنا ذواتاً قبل أن نكون هوية.