20 سبتمبر 2025

تسجيل

الديكتاتور أصله طيب

15 أبريل 2019

يذكر التاريخ أن نابليون اشتكى مرة من أن الناس يعطونه من السلطة أكثر مما ينبغي وبعد ذلك يصفونه بالديكتاتورية، الديكتاتور يولد على الفطرة فمجتمعه أو شعبه «يدكتره» و«يؤلهه» ثم بعد ذلك يجعل منه أضحية أو مشروعاً لأضحية الخلاص ؛ فكرة الخلاص الأبدي وغسل الخطايا والذنوب الدينية هي في الأساس رؤية سياسية في مجتمعاتنا، لذلك يصبح صنعها وتيرة دائمة ووجعاً قائماً لا يمكن تصور الحياة بدونه وإلا تجردت من الرؤية الأخروية القائمة على غسل الذنوب والخطايا والتكفير عنها استعداداً لحياة جديدة بلا ذنوب أو خطايا سرمدية الطابع. الديكتاتور ينشأ بين ظهرانينا، يلعب معنا، يدرس في صفوفنا، يأكل على موائدنا، يتزوج منا، هو طيب في الأساس لا يختلف عنا، ما يجعله يختلف هي رؤيتنا له بعد ذلك. عقليتنا المتضاربة تصعد به دون ذنب ارتكبه سوى أن ساقته الأقدار ليتبوأ مقعداً زائلاً جعلنا نحن منه دائماً وأزلياً. عقليتنا المتضاربة ما بين الديني والدنيوي تخلط الاثنين لتخرج لنا بما يفسد الأرض والعباد. صناعة الديكتاتور إنسانية الطابع، سريعة العطب عند شعوب، سرمدية البقاء عند أخرى. الديكتاتور نفسه يتفاجأ بكونه ديكتاتوراً ولكن بعد حين، لا أحد ينبهه، الكل يصلي له ومن أجله، يجهل أمره ليصدق ما اتفق عليه الناس، ويتصور نفسه إماماً بعد ذلك بعد أن كان قائداً عسكرياً أو سياسياً، يصدق أنه مرسل من السماء لإنقاذ شعبه أو موحى إليه بذلك. يضيق الشعب به وينسى أنه من نصَّبه وألَّهه، يشتكي الناس من جوره وبطشه وينسى الناس أنهم هم من أهدى سوط العذاب له وأمسكه بيده. الديكتاتور كان طيباً في المدرسة وفي صباه وشبابه الأول، بل كان وطنياً وقائداً للمظاهرات ضد الاستعمار، بل وشارك في حروب الاستقلال وحروب الأمة ولكن كان عليه ألا يخرج من جلباب أمته الحاضن والمفرخ لصناعة الديكتاتور وإلا ضاعت عليه مكتسباته السابقة. الديكتاتور كان إنساناً طيباً رومانسياً يعيش هموم أمته ويتغنى بأمجادها السابقة وبأغانيها الوطنية ولكن تاريخنا لا تسطره الرومانسيات وتبادل الرأي والأخذ بالتي هي أحسن رغم المرويات والنصوص. الديكتاتور كان طيباً مع الجميع ولكنه اليوم يختص بأهله وبأقربائه ومن حوله، ففي بؤرة وعيه أن هناك فقط فريقاً وحيداً مؤهلاً للنجاة دون غيره. الديكتاتورية عبء عند البعض ونزوة وشهوة عند آخرين. قلَّص شيراك مدة حكم الرئيس المنتخب في فرنسا، بينما البعض لدينا يرى القرن مدة غير كافية للبدء بالإصلاح الموعود ليعطي مبرراً لاستمراره حاكماً من قبره أو في صورة ولده أو من يرثه. الديكتاتور صناعة عربية خالصة، فكيف نبكي من شيء صنعناه، الحرية قيمة أضعناها فكيف نبكي على شيء أضعناه. الديكتاتور باختصار هو ذلك الصنم الذي يصنعه العربي من التمر قبل الإسلام ليعبده وليأكله بعد أول وهلة من شعوره بالجوع. قرأت مرة أن أقدم ديكتاتور في التاريخ هو من صنع عصا ووضع في رأسها جزرة ووضعها أمام الحمار الذي ركبه وظل الحمار ماشياً وراءها ليلحق بها وظل الراكب الديكتاتور على ظهره يسير به ولم يصلا إلى الآن. إنه أقدم ديكتاتور لأقدم شعب في التاريخ. [email protected]