28 أكتوبر 2025
تسجيلمن يستطيع في هذا الزمن أن ينذر نفسه في محاربة الفساد وأن يجهر بقوله في إعلان مبادئه وقيمه النزيهة في التصدي لهذه الآفة دون خوف، هذا ما فعله ذلك المواطن الهندي الغيور حين سعى جاهدا للتصدي للفساد، وقام بمحاولات مثيرة في إدخال إصلاحات خلال مسيرته العملية الممتدة إلى 23 عاما واجه خلالها آفة الفساد رغم القيود الصارمة والمصالح المحصنة، ووفقا لما ذكرته محطة نيودلهي .تي.في فإن هذا المسئول الهندي الكبير الذي يعمل في جهاز الخدمات الإدارية والبالغ من العمر 49 عاما معروف في أنحاء الهند بتصديه للفساد ووقوفه في وجه كبار السياسيين والكشف عن فضائح الفساد، وكانت نتيجة مواقفه الصلبة أن تم فصله للمرة ال 45 وآخرها نقله من وظيفته كمفوض، إلى إدارة الآثار والمتاحف التي لا تتمتع بنفس القدر من الاهتمام، وكتب على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بعد قرار نقله "إنها لحظة أليمة جدا" .الفساد.. الفساد.. الفساد.. كلمة مخيفة، مرعبة، وقبيحة، ارتكبت في أجوائها ممارسات إجرامية أهدرت ثروات دول، وأضاعت مقدرات وطنية، ومكتسبات .. وتركت تنمو وتترعرع في ظل ضعف أجهزة المحاسبة والمساءلة، وعجز الرقابة عن متابعتها، وغدت منهج حياة لدى البعض، وأسلوبا معتادا للإثراء من قبل بعض الفئات المتنفذة في القطاع الحكومي تتشكل بوجوه وأقنعة "متلونة "، يعزز ذلك وجود موظفين لا يفرقون بين الحلال والحرام في ظل قيادات إدارية ضعيفة، وبيروقراطية مستشرية، وقيم اجتماعية "بالية"، تحث أفراد المجتمع على التمسك بالولاءات الضيقة .يتسرب الفساد من منافذ ضيقة حتى أصبح مخلوقاً هلامياً بيننا نشعر به، ونتأذى منه، لكن يصعب اصطياده رغم معرفتنا الجيدة بمواقع تواجده وأماكنه ومراكزه، وبسبب ذلك خسرت الأوطان مليارات المليارات سنوياً، تستقر بسلاسة إلى جيوب وحسابات كبار وصغار الموظفين الفاسدين، والنتيجة تعثر المشاريع، والتعدي على الأراضي الحكومية، وفشل خطط وبرامج التنمية الموجهة للمواطن بالدرجة الأولى، مما هيأ تربة خصبة لنمو بكتيريا الفساد الإداري والمالي والأخلاقي، وما يتبعه من تجاوزات وانحرافات، واستغلال المصادر العامة لتحقيق منافع بشكل منافٍ للشرع والأنظمة الرسمية.عندنا وبعد إعادة إحياء هيئة الشفافية والرقابة الإدارية جاء الآن دورها كما طالبنا في مقالات سابقة للعمل بقوة في اجتثاث هذه الآفة المقيتة والإبلاغ عن الفاسدين والمفسدين، والتصدي لهم كائناً من كان، بالتأكيد مسمى الهيئة الحالي ليس بجديد وكان قائما فعلا لكن دون فعل يذكر، وكنا قد تفاءلنا بإشهار تلك الهيئة وحسبنا أنها تعكس رغبة الناس في الحد من الفساد والقضاء عليه، لكنها ظلت رغم ما وفر لها من إمكانات وصلاحيات هيئة "كسيحة"، تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، وجهازاً حكومياً "مخيباً للآمال" لا يفعل مسئولوه الذين لم نعرف منهم إلا الرئيس شيئاً سوى إطلاق الحملات التوعوية، ومتابعة بعض القضايا الهامشية، في حين تركوا قضايا الفساد الكبيرة التي تزعجنا، وتغاضوا عما ينغص حياتنا، وتجاهلوا رؤوس فساد أهدرت المال العام، وبعثرت الجهود، وأضاعت المشاريع والخطط التنموية.فيا سعادة رئيس الهيئة الجديد أنت رجل مشهود له بالنزاهة ونظافة اليد واللسان، لكنك وأنت في بداية المشوار لا نريد سرد إنجازاتكم في محاسبة بعض المستشفيات والمدارس هنا وهناك، فالأمور – كما تعلمون - أكبر من ذلك بكثير، نريد أن تكشفوا للملأ ما يمكن أن تحققوه من إنجازات في مكافحة الفساد .نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى لتحرك هيئة الرقابة الجاد لكشف أقنعة الفساد الذي يشترك فيه "حرامية" الوظائف العليا . وسلامتكم