12 سبتمبر 2025

تسجيل

الإبداع والفن.. والعنف

15 أبريل 2014

تطرقنا فى مقالنا السابق إلى أهمية ممارسة الأنشطة الفنية المختلفة التى ترتقى بالذوق العام للإنسان ويكون ذلك مقدمة للإبداع بمختلف أنواعه مثل الموسيقى والرسم والشعر وخلافه .. كما ذكرنا أن الإحساس الإبداعى يبدأ لدى الإنسان مع الشهور الأولى من عمره وأنه يتأثر بالبيئة المحيطة به من مناظر وألوان وإضاءة وجمال .. وإذا كان الإبداع يظهر فى هذه السن المبكرة جدا فلابد أن ترعاه الأسرة وأن ذلك يدخل أيضا فى نطاق مسئولية المدرسة فيما بعد ومسئوليات وزارات التعليم والقائمين عليها وعلى مناهجها فى المراحل اللاحقة . وفى نهاية المقال حذرنا من إغفال ذلك للمردود السلبى ومن ضمنها العنف والإنحراف عن الطريق القويم .. فما هى الأسباب النفسية وكيف ننجو بأولادنا من هذا المصير .. هذا ما سنحاول أن نلقى عليه الضوء فى مقالنا هذا . من المؤكد – كما يقول علماء النفس والإجتماع – أنه من الأهمية بمكان إشباع الحاجات النفسية الأساسية للطفل مثل الشعور بالحب والحرية والإنتماء والمشاركة فى النجاح .. وأن ذلك يمكن تحقيقه بشكل أساسى برعاية المواهب الإبداعية . وعلى العكس فإن أى خلل أو إعاقة للإشباع أو عدم تلبية هذه الإحتياجات تسبب لدى الطفل إحساسا بالحرمان والنقص والدونية وقد يتسبب ذلك أيضا فى أن يكره نفسه ويحقد على الآخرين ويبدأ فى التفكير فى الإنتقام من حوله . وخلافا لذلك .. فإننا لو وضعنا فى الحسبان أن ممارسة " بذور " الإبداع الموجودة لدى كل طفل بالتأكيد ستأخذ بيده نحو الطريق السليم لأدركنا أهمية ذلك .. فلا يمكن مثلا أن نتصور من يقوم بالرسم وهو يتشاجر مع الأطفال الآخرين فى المدرسة .. وهكذا من يعزف الموسيقى أو يتذوق الشعر إلى آخر من يمارس أنواع الفنون المختلفة فإن ذلك يكون مدعاة للإرتقاء بتهذيب نفسه ومن ثم ينعكس ذلك على الطفل نفسه وعلى مجتمعه بالتالى . وفى هذا المقام لا يمكن أن نغفل دور الإعلام وخاصة المرئى منه فى تنمية مشاعر العنف لدى الأطفال ببث البرامج والإعلانات المليئة بمشاهد العنف فضلا عن أفلام الحركة " الأكشن " المبالغ فيها حيث يكون لها تأثير فورى ومباشر على تنمية مشاعر العنف لدى الأطفال إعتمادا على حب الأطفال للتقليد والمحاكاة .. ولو توقف الأمر عند هذا الحد فلربما كان العلاج أكثر سهولة مما يتعمد القائمون على الأفلام والبرامج بالسخرية من الأطفال المبدعين وتصويرهم على أنهم معقدون نفسيا ويتحدثون بما يدل على ذلك خاصة وهم يضعون نظارات طبية سميكة .. وكلام ساذج إلى درجة التفاهة بطريقة تضحك المشاهدين عليهم على عكس أطفال الشقاوة والعنف و" الأكشن " .. فأى مردود نتوقعه من تلك البرامج وهاتيك الإعلانات . ونحن نحذر من أن الأطفال الصغار – إلا فيما ندر – لا يوجد لديهم الضمير بالمعنى المتعارف عليه عند الكبار ولكن يوجد لديهم ما يمكن أن نطلق عليه " الضمير المستعار " بمعنى أن الضمير لدى الصغار يكون وفقا لما يصل إليهم عن طريق الكبار أو ما يستعيرونه منهم وفقا لما يسوقه علماء النفس .. وبناء عليه لا يمكنهم المفاضلة بين الغث والسمين أو الحق والباطل أو الخير والشر أو حتى الحلال والحرام إلا فى حدود غاية فى الضيق وقد يوردهم ذلك مورد التهلكة بالوقوع فى براثن صحبة السوء أو من قد يستغلهم فى غير الطريق القويم .. ومن هنا صرنا نسمع عن جرائم يرتكبها أطفال – ربما تقليدا لما شاهدوه فى التليفزيون – كما أصبحنا نسمع أيضا عن استغلال العصابات وأفراد السوء للأطفال فى تنفيذ جرائمهم والتى قد تصل إلى حد من البشاعة لا نصدق أن من قام بها كانوا أطفالا . وكل هذا يصب فى خانة تشجيع العنف ونبذ المواهب والتى لو تأملنا قليلا لوجدنا أن كلمة المواهب مشتقة من الهبة .. والهبة هى من كرم المولى عز وجل والتى لابد أن تكون مفيدة لنا .. فكيف نرفضها ونتجه وجهة أخرى لا نعلم مدى تأثيرها علينا. وعود على بدء .. فإن تنمية المواهب الإبداعية هى المخرج الوحيد أمامنا للإرتقاء بالذوق العام والحفاظ على القيم الدينية والمجتمعية والتى هى بدورها سبيلنا للتقدم والرقى والنهوض بأطفالنا ليكونوا مواطنين صالحين .. ونعود – كما أسلفنا فى مقالنا السابق – للتأكيد على دور الأسرة والمدرسة والدولة ممثلة فى وزارات التعليم والقائمين على أمور المناهج المدرسية الخاصة بالأنشطة المدرسية التى تعمل على تحفيز النواحى الإبداعية . وإلى موضوع جديد ومقال قادم بحول الله .