20 سبتمبر 2025

تسجيل

بوتين إذ يجدد شبابية الغرب

15 مارس 2022

فجأة تحوّلت أمريكا وجزء من دول الغرب عن استراتيجية المواجهة مع الصين التي لطالما كرّست نفسها لها، إلى الحرب بالوكالة مع روسيا، عبر استغلال المقاومة الأوكرانية في صدّ الخطر الروسي الذي يهدد اليوم أور,با والغرب كله، وإن كان الأخير يفضل استخدام مصطلح " الحرب مع بوتين" على الحرب مع روسيا، إذ لا يريد أن يصطدم مع الروس في هذه الظروف على الأقل، ويسعى بذلك إلى شخصنة الحرب، إذ لا يزال قد وقر في نفسه بأن خطر الصين أعظم من خطر روسيا، على الرغم من قناعة بعض مفكري الغرب من أن الصين أشبه ما تكون بالإمبراطورية الرومانية في القرن الرابع الميلادي يعتريها تمدد وانهيار. فرض بوتين أولوية وأسبقية جديدة على الغرب، وأمريكا تحديداً، يوم غزا أوكرانيا في 24/2 فدفع الجميع إلى التوحد، وليس توحّد دول، بقدر ما هو توحد مجتمعات، فظهرت استطلاعات الرأي بحسب صحيفة الوول ستريت جورنال تتحدث عن كون بوتين أكثر رئيس روسي مكروه في التاريخ المعاصر، فقد وصلت نسبة العداء له في أمريكا إلى 90%. بينما اشتد عصب القومية والمسيحية الغربية لدى الغرب نتيجة الغزو، بحيث استقبلت البيوت الأوربية مهاجرين أوكرانيين، وتدفق السلاح على المقاومة، ومعه هرع المتطوعون الغربيون، ومن جنسيات متعددة، فشكلوا فيلقاً أجنبياً، ردّت عليه روسيا بدعوة مرتزقة، فكان أول من استجاب إليها المليشيات الطائفية، والعصابة الحاكمة في دمشق. لم يعد حلف النيتو الذي وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أشهر بالسكتة الدماغية، مشلولاً، وإنما بدأ يتقدم كقوة قتالية فعلية وحقيقية، قادرة على الوقوف بوجه روسيا الغازية، وإن كان قد اكتفى حتى الآن بمجرد دعم تسليحي ومالي واستخباراتي للقوات الأوكرانية، لكنه لا يزال يتوجس من الدخول في أي مواجهة مع روسيا، وإن كان ذلك لم يمنعه من استقبال طلبات عضوية من دول لطالما ظلت محايدة لعقود من أمثال سويسرا وفنلندا، الأمر الذي ردت عليه روسيا بالتهديد في حال تم قبول الدولتين كأعضاء في الحلف المعادي لها تاريخياً. خرج طائر الفينيق الألماني من الرماد مجدداً، ونفض عن نفسه غبار الحرب العالمية الثانية التي كبّلته بالتزامات شددت على عسكرته، فقد كان الروس يعوّلون عليه كثيراً بالوقوف إلى جانبهم أو على الأقل بقائه على الحياد، لاسيما مع تصريحات قائد سلاح البحرية الألماني المعجب ببوتين، فخدّر وأسْكر ذلك موسكو، مما دفعها للغزو ربما، متوقعة عدم ردّ فعل قوي غربي فضلاً عن ألماني، بينما رأينا المستشار الألماني يعلن عقب الغزو كسر قاعدة لطالما حكمت ألمانيا لعقود، يوم خصص مائة مليار يورو للجيش الألماني الجديد، مما أعاد مخاوف روسية، وذكرها بالتاريخ الألماني ـ الروسي، وبغزو هتلر، فتجدد معه كوابيس وهواجس ماضية. الغرب الذي كان محايداً تجاه روسيا ومن بينه مثلاً بلدان لم تتجاوز نسبة التأييد فيها للانضمام إلى النيتو قبل الغزو الـ 30% من أصوات الشعب، نرى اليوم تصاعداً لافتاً في هذه النسبة بعد الغزو، إذ وصلت إلى 83%، وتصاعد معها خوف وقلق هذه الدول، لاسيما بعد استراتيجية روسيا العدوانية المستمرة والمتعاظمة إن كان على الساحة الإقليمية القريبة منها، أو على الساحة الدولية، وذلك بدءاً من غزو جورجيا،2008، ثم غزو مولدافيا، فقضم القرم في 2014، والغزو الروسي لسوريا 2015، والآن غزو واستباحة أوكرانيا. لغة التهديد والوعيد الروسية للجيران ستدفعهم أكثر فأكثر للابتعاد علن موسكو، والاقتراب من النيتو، بعكس ما تأمله موسكو، فما حصل اليوم بكل تأكيد لم يكن يريده بوتين أن يحصل. لقد غدت روسيا المحاصرة وليس بوتين فحسب، وإن كان قد حوصر اليوم فلا أحد يقترب منه، ومع هذا فقد باتت روسيا محاصرة بكل الاتجاهات والمناحي، عسكرياً وسياسياً وديبلوماسياً، وحتى سينمائياً ورياضياً، وإعلامياً، ولعل مدير المخابرات الأمريكية السي آي إيه بيل بيرنز اختصر ذلك كله في شهادته أمام الكونغرس الأمريكي الأسبوع الماضي حين قال:" لقد فوجئنا من خلال الطريقة التي دفع بوتين فيها أوروبا وأمريكا، فكانوا أكثر قرباً من بعضهما بعضاً."