23 سبتمبر 2025

تسجيل

عابر القارات.. واستخلاص العبر

15 مارس 2020

جاء كورونا ليقتحم سياج القصور وبوابات الأبراج وأسوار البيوت، رؤساء وقادة وصناع قرار وعمال حاصرهم دون استئذان، ليصبح الجميع أوهن عند الله من بيت العنكبوت، الناس سواسية في الابتلاءات لا محسوبية لا تعصب قبلي ولا مذهبي، دول شرعت الأبواب الصحية أمام الجميع دون استثناء ولا حواجز، أوطان بقوتها وجبروتها اهتز تَ عروشها، عقول وأفكار صنعت الذرة والمفاعلات النووية لقتل البشرية عجز فكرها عن احتواء هذا الوباء وموطنه وعلاجه. لا سيوف ولا دبابات ولا جيوش قادرة على تحديد انتشاره والقضاء عليه، سبحان الله إنها العدالة الإلهية التي تفتقدها الإنسانية في واقعها والتي ذكرت في كتابه العظيم: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). …. من كان يتوقع فجأة أن تتغير البشرية من حال الفوضى والفساد السياسي والأخلاقي والاقتصادي والصراعات ليتوقف مؤشر بوصلتها حول الانشغال بوباء مرضي لا يرى إلا بالعين المجردة، اتخذ الصفة العالمية من الصين إلى أمريكا ليشق طريقه عابراً إلى دول أوروبا ومعظم دول آسيا وأفريقيا، ويسجل أرقاما قياسية مرتفعة في الإصابات، لتتوقف المدارس والمطارات والأنشطة والمعابد والكنائس والمساجد، وتتحول المدن بقراها وضجيجها إلى أطلال وكأنها خاوية على عروشها، وأن تتغير السياسيات الإعلامية بكل منصاتها فجأة بالانشغال بهذا الوباء، الهلع والخوف والقلق ديدنها، ماراثونات إعلامية لنقل آخر التطورات، مقابلات سلبية وإيجابية، وآراء متناقضة ما بين الطمأنة والتخويف، أرقام لإصابات وأموات لا يدرك حقيقتها، تسابق غير معهود في وسائل التواصل للنقل والتهويل دون التأكد من الحقيقة والمصدر. فأين القضية الفلسطينية والقدس الشريف ؟. أين حصار قطر ؟. أين مقتل خاشقجي؟. أين حرب اليمن والعراق وسوريا؟. أين انتهاك حقوق الإنسان ؟. أين قضية لا جيء المخيمات والمهاجرين؟.. وأين وأين. عاصفة كورونا التي عبرت قارات العالم وجعلت الإعلام بجميع أطيافه سواء الإعلام التقليدي أو الإعلام الإلكتروني ينحني خاضعاً ومجبراً ليصب كل اهتماماته في متابعة هذا الفيروس وتداعياته على حساب قضايا أخرى هامة والتي ما زالت مستمرة مع وقف التنفيذ دون وجود بوادر للحلول، كما دمّر هذا الوباء الفكر الإعلامي السلبي الذي يدعو للفتن والتجييش والكذب والتزييف ضد الآخر ليتحول إلى فكر حصر نفسه بالبحث عن مستجدات هذا الوباء ومعرفة مدى انتشاره وتطوراته وعلاجاته، أليس كما قال سبحان وتعالى في كتابه: { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ }. …. هل توقعنا يوماً أن تكون ساحات الحرم الشريف بسعة مساحته وازدحام معتمريه ومصليه وحجيجه أن يكون شبه خال من أنفاس زائريه ودعائهم وصلواتهم،، تنوح الحمائم حوله بهديلها باكية، وتصمت الأفواه بدعائها ملبيّة،. كم هو مؤلم، تدمع عيوننا وتتفطر قلوبنا حين تسلب منا أماكن تأدية مشاعرنا الدينية، وحين تختصر الصلاة والخطب في بيوت الله بل وتغلق بواباتها، وحين تنحسر الخطوات لصلاة الجماعة ويفقد أجر خطواتها، وحين تمنع الجمعة في بعض الدول، وحين تتجمّد المراكز الدينية والدعوية والقرآنية من أنشطتها، إنه الإنسان ومصلحته والحفاظ على صحته، تخضع أمامه كل القوى حفاظا واستمرارا لبقائه أليس هو القائل (.. وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) حقا أنها رحمة الله للإنذار والاتعاظ والاستيقاظ من مضاجع اللهو والغفلة، فكم كنّا نستنكر ما يقع حولنا من سلوكيات ومفاهيم تجرّدت من الإنسانية، ومن الدين ومن الأخلاق، الأبواب أمامها موصدة بشعار لا نرى لا نسمع لا نتكلم،، هانحن اليوم ندفع الثمن ولا حول لنا ولا قوة، أمام هذا الانتشار السريع لوباء كورونا، جند من جنود الله، لتوقظ ضمائرنا من مضاجع الغفلة لعلنا نتثاءب من جديد ونتذكر نعم الله علينا ونعتبر من هذا العابر الذي أقلق مضاجع العالم، ونعود لوعيّنا كأمة إسلامية خير أمة أخرجت للناس.. [email protected]