15 سبتمبر 2025

تسجيل

الوجود الزائف

15 فبراير 2023

هل تحولت علاقاتنا إلى ما يشبه العلاقات بين الأشياء؟ هل أصبح الناس يعتبرون بعضهم البعض موضعاً للتبادل؟ بعيداً عن العلاقة الإنسانية ومركزيتها؟ الأدبيات الماركسية أتت على ذلك وأفرزت مصطلحاً أسمته ; التشيؤ، صكه المجري لوكاتش استناداً الى مصطلح ماركس، التسليع، أو توثن السلعة بمعنى تحويلها الى وثن يعُبد. هل أصبحت علاقاتنا نحن الذين لم نخرج بعد من طور المجتمع التقليدي البسيط إلى ما يشبه ذلك؟ نحن الذين لم نتعد بعد مرحلة البداوة سواء الفعلية منها أو الفكرية. هل نحن نختار وجودنا اليوم أم يختاره الآخرون هل نحن نحدد علاقاتنا اليوم أو يحددها الآخرون نتيجة هذا، التشيؤ، ألم تتحول العلاقة الإنسانية وبورصة ارتفاعها وهبوطها وتصبح مرتبطة برقم أو رصيد في البنك إلا فيما ندر، ألم يتبن الواحد منا مواقف تملئ عليه ويقفز إلى الشائع من الأقوال دون تمحيص إنه الوجود الزائف كما يراه، هايدغر، لأنه لا يحقق ذاته وإنما ينضم الى ذوات الآخرين إنه الخوف الذى يعيشه إنسان هذا العصر في ظل تحوله الى شئ وإلى مجرد موضع للتبادل في العلاقة السوقية. السؤال الآن ماذا لو نجح العلم في الاستنساخ الى أعلى درجة بحيث يصبح بالإمكان إنتاج بشر لحاجة السوق وحركته فقط وإتلاف الباقي كيف سيصبح مصيرنا نحن الأشياء. هل يحتاجنا السوق؟ فلا غرابة إذن أن يهرب إنسان هذا العصر الى الأجواء البعيدة سواء الأرياف لدى الغير أو الصحراء والبادية كما لدينا لقد أصبح ذلك ضرورة لا مناص منها أن ينشد إنسانيته ويريد بناء ذاته المهدورة أمام مادة تريد تحويله الى جزء لا يتجزأ منها. هناك في الصحراء الماء يخرج صافياً تكاد تشم فيه رائحة الأرض قبل أن تغزوه الكيماويات ومواد التحلية. هناك تخرج الشمس في شروقها حانية لطيفة لا تغطيها أدخنة المصانع وغبار المداخن العالية. هناك تسمع ثغاء الأغنام وخوار البقر قبل أن يصاب بالجنون وتغريد البلابل والطيور قبل أن تصل إليها أنفلونزا الطيور، الأطفال يولدون في البادية بصراح عال طبيعي دون أنابيب أو حليب النيدو، الليل يأتي بكل الحكايات والقصص التي تجعل منه سكناً ليكون النهار القادم كله معاشاً مليئا بالثقة والنفس وبفعل الخير. لقد كان ذلك واقعاً في عقود قليلة مضت في دولنا الخليجية بالذات ولا يحتاج المرء للخروج الى البادية وأطرافها التي تكاد اليوم أن تختفي كذلك تحت هجوم مدن الحديد والاسمنت، في ذلك الحين كل شئ كان صافياً حتى المصطلحات كانت واضحة كانت الخيانة خيانة والرشوة رشوة ولم يتحولا بعد الى شطارة وإكرامية والكذب لم يتحول بعد الى مؤسسة حتى الهزائم لم تنسنا ولم تفقدنا الأمل لأنها لم تكن من الداخل فالداخل كان صافياً كذلك، كان الاجتماع حول مذياع البيت لتتبع أخبار الأمة وليس لأخبار البورصة أو الربح الفردي وكان الاستماع الى الأغاني التي ترفع من الروح المعنوية ومن الذائقة السمعية في نفس الوقت حتى العاطفية منها. هل كان آباؤنا وأجدادنا يشفقون علينا من رؤية التلفزيون وسماع المذياع لأول مرة في أيامنا الخالية قياساً لعصرهم السابق حيث الحقيقة يمثلها وجود الإنسان فقط، حيث لا تكفي صورته أو سماع صوته؟ ولكن هل ثمة أسوأ من أن يتحول الإنسان الى شئ مجرد شئ أو موضع للتبادل؟ ثمة فرق بين وجودنا الحقيقي بالأمس ووجودنا الزائف اليوم حيث مشيئة وإرادة القطيع. قد لا يستطيع الإنسان عمل الكثير أمام تصاريف الزمن ولكن له كل الحق في التحسر والألم حين يذهب الزمن بوجوده الحقيقي ويحوله الى شئ مجرد شئ. له الحق أن يتساءل عن وجوده الحقيقي…. يالفهاً كيف غاب ؟