19 سبتمبر 2025
تسجيللعبة تتقنها إسرائيل جيداً: اقتراف المذابح وممارسة التطهير العرقي وتهجير الفلسطينيين. وممارسة أبشع أشكال التمييز العنصري ضدّهم. والسماح لهم في آن معاً بالترشح وممارسة التصويت للانتخابات التشريعية للكنيست. تذهب إلى العالم بالمسألة الأخيرة لتقول: إنها دولة"ديمقراطية"! يعيش العرب فيها على قدم المساواة مع اليهود! في هذا الوقت الذي تشير فيه قوانين الأساس (والتي هي بديل للدستور) في الدولة الصهيونية إلى أنها"دولة يهودية". هذا ما أكدّت عليه في إعلان ما يسمى" باستقلالها"في عام 1948. وهذا ما صادقت عليه الكنيست في أعوام تالية، وما قامت به حكومة مناحيم بيغن في عام 1977: "بتحصين الطابع اليهودي للدولة"، فوفقاً لمحكمة العدل العليا ينص القانون: "عندما تواجه المحكمة بسؤال قانوني يتطلب قراراً لا يوجد جواب له في القانون الوضعي. يتوجب عليها أن تقرر في ضوء مبادئ الحرية،العدالة،المساواة والسلام الخاصة بالتراث اليهودي". إسرائيل طلبت وما تزال من دول العالم ومن الدول العربية والفلسطينيين: الاعتراف "بيهوديتها" وجعلت من ذلك اشتراطاً للتسوية مع الطرفين الأخيرين. القضاء الإسرائيلي يلغي المنع الذي فرضته لجنة الانتخابات على الناشطة الفلسطينية حنين زعبي من الترشح للانتخابات،ويبرئ قتله الناشطة الأمريكية راشيل كوري. التي قتلتها عن سابق إصرار وعمد. جرافة إسرائيلية بقرار من الجيش الإسرائيلي المحتل،وهي تحاول منع الجرافة من هدم بيت فلسطيني.إنه نفس القضاء الذي أباح تعذيب الأسرى الفلسطينيين على أيدي المخابرات الإسرائيلية. إنه نفس القضاء الذي حكم على الضابط المسؤول (شيدمي) عن مجزرة دير ياسين. بقرش واحد. ونفس القضاء الذي يبرئ قتل الفلسطينيين على أيدي رعاع المستوطنين. وعصابات القتل الصهيونية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، ونفس القضاء الذي يبيح للجيش: مصادرة الأرض الفلسطينية. والبيوت وهدمها. ونفس القضاء الذي هو باعتراف مركز العدالة(المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل)وبعض مراكز حقوق الإنسان الإسرائيلية الأخرى، وبعض المراكز الحقوقية الدولية،يمارس تمييزاً عنصرياً في الأحكام بين اليهود والفلسطينيين الذين يتوجهون إليه. أليس غريباً هذا التناقض في القضاء الإسرائيلي عندما يتعلق الأمر بصورة إسرائيل (الدموقراطية) وإظهار هذه الصورة أمام العالم؟ففي الحالة هذه: يصدر في بعض قراراته لصالح العرب في إسرائيل، وفي الوقت الذي يحاكم فيه قضايا حقوقية أخرى تتعلق بالعرب: يُصدر قرارات ملزمة لصالح الدولة والجيش والاحتلال والمخابرات؟ صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية وقبيل الانتخابات التشريعية الأخيرة للكنيست التاسعة عشرة: قامت بنشر مقالة باللغة العربية على صدر صفحة رئيسة من صفحاتها (وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخها) تخاطب فيها عرب 48 وتحثهم على التصويت لانتخابات الكنيست،وتقوم بإنشاء مراكز استطلاعات رأي خاصة مثل: "المركز الإسرائيلي للديمقراطية "و"كيرين أفراهام - صندوق إبراهيم"تدعو العرب فيها للتصويت! أكل هذا حرص على مشاركة العرب في الانتخابات؟ أم لأن ذلك يخدم الاستراتيجية الإسرائيلية،ويخدم صورة إسرائيل"الديمقراطية".للعلم في إسرائيل 20 قانوناً مميزاً ضد عرب 48 (17 منها هي قوانين مميزة بشكل مباشر و3 تميز بشكل غير مباشر بين اليهود والعرب).هذه قوانين أساس تتعلق بالمسائل التالية:مصادر القانون الإسرائيلي، حقوق المواطنة، حقوق المشاركة السياسية،حقوق الإسكان والأرض،الحقوق الثقافية، حقوق التعليم،الحقوق الدينية.أما القوانين الثلاثة التي تميز بشكل غير مباشر فتسخدم للسيطرة اليهودية والحد من حقوق الأقلية العربية فيما يتعلق بالأرض والإسكان. للعلم أيضاً: فإنه ورغم تواجد النواب العرب في الكنيست فقد سنّت الأخيرة 32 قانوناً عنصرياً ضد العرب حتى العام 2008 (أي بعد ستين عاماً من إنشاء الدولة الصهيونية). وفي الأعوام الأربعة الأخيرة فقط(إلى ما قبل آخر انتخابات أجريت في 22 يناير الماضي) تم سن 8 قوانين عنصرية، الأمر الذي يعني شيئاً واحداً فقط:أنه ومع مرور الزمن فإن نتائج الانتخابات التشريعية تبين: أن الذي يتطور في إسرائيل هو عنصريتها ومذابحها وفاشيتها وإصرارها على أن تكون دولة لليهود فقط، بما يعنيه ذلك من إمكانية حقيقية لممارسة تهجير قسري (ترانسفير) للعرب فيها.القانون الأساس الإسرائيلي لا يسمح لحزب عربي خوض المعركة الانتخابية للكنيست إذا كان برنامجه السياسي لا يعترف بكون إسرائيل دولة الشعب اليهودي. فمثلاً إذا كان برنامج الحزب السياسي ينص على وجوب تعديل قانون العودة،أو إلغائه(هو قانون يسمح لكل يهودي في العالم بالهجرة إلى إسرائيل وحيازة الجنسية الإسرائيلية) لكونه يميز ضد الأقلية العربية. لن يسمح له بخوض المعركة الانتخابية! وعليه لا يستطيع حزب عربي يريد المشاركة في المعركة الانتخابية أن يطالب بالمساواة الكاملة للأقلية العربية في برنامجه السياسي. إن النائب الفلسطيني العربي الناجح في الانتخابات عليه أن يقسم على الولاء لدولة إسرائيل اليهودية. ولا يحق له الامتناع عن ذلك، لأن القَسَمْ مفروض على كل ما حازوا على عضوية الكنيست. المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية هو موضوع خلافي بين جماهيرنا وأهلنا في المنطقة المحتلة عام 1948،وفقاً لاستطلاعات الرأي التي أُجريت في أوساطهم مؤخرا: فإن النسبة هي 50-50% أي أن النصف مع المشاركة والنصف الآخر ضدها.في الوقت الذي نحترم فيه وجهة نظر المشاركين(مع أننا نقف ضد هذه المشاركة) فإننا نتوجه إليهم بالسؤال التالي:ماذا تحقق لكم من كل هذه المشاركات في الكنيست؟ ليس من الصعوبة بمكان معرفة الجواب،فمع أن المشاركة جاءت منذ الكنسيت الأولى، فإن ما تحقق هو المزيد من التطرف والعنصرية والإجرام الإسرائيلي. ومزيداً من اضطهاد أهلنا في منطقة 48. وسن القوانين العنصرية ضدهم.قد يقول قائل من مؤيدي المشاركة: نستطيع قول رأينا في الكنيست،ونستطيع الحد من العنصرية والتطرف. والرد على الفاشيين،ونستطيع منع تمرير بعض القوانين والمحافظة على حقوقنا....إلى آخر الأقوال التي تبرر مبدأ المشاركة!بمختصر مفيد نجيب:أن ما يستطيع النواب العرب في الكنيست تحقيقه(وهو جد ضئيل) لايوازي نقطة في بحر الإيجابيات التي تجنيها إسرائيل من وراء هذه المشاركة: فهي تبدو وكأنها دولة (ديمقراطية) مع أنها بعيدة كل البعد عن الديمقراطية (التي يجري تطبيقها على اليهود فقط، ومع ذلك فإن هناك تمايز بين اليهود أنفسهم، بين الشرقيين "السفارديم"والأشكناز"الغربيين"). الديمقراطية هي كل واحد لا يتجزأ. فلا يمكن لحزب أن يكون ديمقراطياً وصهيونياً في الوقت نفسه، وديمقراطياً وعنصرياً، وديمقراطياً وفاشياً، وديمقراطياً وعدوانياً! باستثناء الحزب الشيوعي الإسرائيلي(راكاح) والقوائم العربية، فإن كافة الأحزاب الإسرائيلية: صهيونية حتى العظم. برغم فرزها إلى يمين ووسط ويسار! الأدق استعمال توصيف آخر:أحزاب أقل تطرفاً،أحزاب متطرفة،أحزاب أكثر تطرفاً. حزب راكاح يشارك من مبدأ ماركسي يقول: بجواز المشاركة في البرلمانات البورجوازية. لكن هذا لا ينطبق على إسرائيل التي هي أقرب إلى التشكيل النازي،والفاشي. دولة أُنشئت قسراً على أنقاض شعب اقترفت بحقه جرائم التهجير والتطهير العرقي والمذابح،وأنقاض أرض جرى الاستيلاء عليها بالقوة.لذلك لا ينطبق على إسرائيل المسار الطبيعي في التطور وبناء الدولة،لذلك فإن الحزب الشيوعي يمارس خطأً تكتيكياً في المشاركة بالانتخابات. كذلك هي الأحزاب والتجمعات المشاركة الأخرى.قطاعات عريضة من أبناء شعبنا ترفض المشاركة،وهذه تتسع يوماً بعد يوم ومن أبرز هذه القوى الرافضة للمشاركة: حركة أبناء البلد،الإسلاميون(الشق الشمالي-أم الفحم). كان خطأ كبيراً صدور بيان من الجامعة العربية يحث عرب 48 على التصويت في الانتخابات لمنع تصدر المتطرفين. الذي حصل هو العكس. القضية مطروحة للنقاش،واتساع الجدل فيها يلقي المزيد من الأضواء عليها، ويغني أية توجهات: سواء مع المشاركة أو عدمها.