12 سبتمبر 2025
تسجيلفي الأيام الماضية كانت كلمة (ثورة) هي الكلمة التي استأثرت بكثير من أقوال الناس، فقد رددتها الفضائيات، أو رددها العالم بأسره، كما رأينا حضورها بوضوح في كل الصحف اليومية في فترة وجيزة. ولأول مرة كنت أسمع فيها بكلمة ثورة، وأعرف فيها معنى ثورة كانت من خلال دراسة مادة التاريخ التي ارتبطت لدينا فيها الثورة بالسياسة، وإن تعددت أسبابها إلا أنها تندرج كلها تحت البند السياسي. فتعريف الثورة هو الإرادة في التغيير أو الخروج من الوضع الراهن إلى وضع آخر سريع، وتحطيم استمرار هذا الوضع الراهن بهدف التغيير الجذري. وقد يكون الجميع اليوم يتناول الثورة ويتحدث عنها بتعريفها السياسي، ولكنني أتناول ثورة من نوع آخر، وهي تلك الثورة التي قد تحدث في حياتنا الشخصية، فقد تكون هناك أشياء كثيرة في حياتنا هي بلاشك قد تنتهي لثورة، أو بالأحرى ثورة الإنسان لأسباب حياتية شخصية كثيرة، كأن يعيش أسلوب حياة لا يرغب فيه، أو أن يضطر لقبول ما يرفضه، مما يحتم عليه التمرد على وضعه القائم والثورة في النهاية. وقد قرأت كثيراً عن هذا النوع من الثورات التي تحدث في المنازل وفي عقر الديار، أو في مجال العلاقات الإنسانية بصفة عامة، كان منها ثورات هي تماماً من ذلك النوع من الثورات التي أقصدها. فقد كانت إحداها للشاب الذي نشأ في ظل والدين كانا من أشهر الأطباء وأكثرهم علماً، فكانا يهيئان ابنهما منذ صغره كي يكون طبيباً ناجحا مثلهما، ويصران على تفوقه على الجميع، ورغم أن هذا الابن قد حاول أن يشرح لوالديه ميوله الواضحة وحب التعامل مع الأدوات والهندسة إلا أنهما أرغماه على الالتحاق بكلية الطب، وبعد ثلاث سنوات من دراسته للطب كان التمرد وكانت الثورة، وقرر أنه لن يعود لأي من مقاعد الدراسة! فلا طب.. ولا هندسة..! وأنشأ لنفسه ورشة للعمل بها وممارسة هوايته، وهكذا كان التغيير السريع في حياته، رغم حسرة والديه وموتهما كمداً من أجل مستقبله. أما الأخرى، فكانت للمرأة التي عاشت مع زوجها ثلاثة وأربعين عاماً في زواج أثمر مجموعة من الأبناء والأحفاد، وفي صبر على استبداد وبخل وسوء معاملة، ثم كانت الثورة ورفض هذا الوضع والتمرد عليه، حين فاجأت زوجها بطلب الطلاق والإصرار عليه لأنها وصلت لذروة عدم الاحتمال. أما هذه الثورة فقد قرأتها في إحدى المجلات، للزوج الذي كانت زوجته لا تتوانى في أن تحط من قدره في كل وقت، وتنعته بضعف الشخصية، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات أمام أبنائه لسنوات طويلة، فجاءت ثورته عليها بزواجه من أخرى لتشاركها في منزلها، وليثبت لنفسه ولها قدرته في تحديها والوقوف في وجهها. ولاشك أن كل تلك الثورات كانت لها من السلبيات التي تبعتها بقدر الإيجابيات التي كان يتوقعها ويطمح لها الثائرون، بل قد تكون سلبياتها أحيانا أكبر كثيرا من إيجابياتها. فلاشك أن علينا أن نكون في حياتنا مع الآخرين مهما كانت صلتنا بهم، أن نتعامل معهم بشكل إنساني يجنبنا أية ثورة قد تحدث ضدنا، وأن نستشعر مؤشرات حدوث هذه الثورة غير المرتقبة وغير المتوقعة، والتي من الممكن أن نكون سببها. وفي المقابل أيضاً علينا نحن شخصياً أن نضع الحلول لكل مشاكلنا الحياتية بقدر الإمكان بطريقة تجعلنا نخفف من ذلك الضغط الذي تحتمله أنفسنا، حتى لا نصل باحتمالنا لدرجة الثورة والتمرد، والتي ستكون لها مساوئها أيضا مثلما قد نتوقع محاسنها. ودائما ولنا جميعا.. نأمل أن تسير حياتنا في هدوء وسعادة، نحن لا شك مَن نصنعها إن استطعنا أن نجنب أنفسنا وغيرنا بتعاملنا تلك الثورات التي قد تزلزل حياتنا وتفقدنا استقرارنا، وبكل جدية.. لنحفظ حياتنا من أية (ثورة). [email protected]