18 سبتمبر 2025
تسجيلعادت الدولرة «Dollarization» إلى جدول أعمال الاقتصاد العالمي. ففي شهر نوفمبر الماضي، فاز المرشح المستقل خافيير مايلي بالانتخابات الرئاسية الأرجنتينية بفضل برنامجه الانتخابي الذي اشتمل على استبدال البيزو بالدولار الأميركي. وفي شهر نوفمبر أيضًا، أوصت مجموعة من الاقتصاديين البارزين بدولرة الاقتصاد اللبناني. ونظرًا لأن ظاهرة الدولرة، التي تعني استبدال الدولة لعملتها بالدولار الأميركي، تنطوي على التضحية باستقلال السياسة النقدية، فإنها تشكل خيارًا جذريًا. وفي الأرجنتين، فشلت الدولة في التخلص من مشكلة طويلة الأمد تتمثل في التضخم والعجز وما يرتبط بذلك من عدم استقرار الاقتصاد الكلي. وبحلول هذا العام، ومع وصول معدل التضخم إلى نحو 140% وانخفاض قيمة البيزو بشكل أكبر، أصبحت العديد من المدخرات الشخصية والمعاملات العقارية تتم بالدولار الأمريكي. وفي لبنان، يبدو الوضع أكثر خطورة: فقد انهار الاقتصاد اللبناني القائم على الليرة في واقع الأمر، حيث يعتمد جزء كبير من الاقتصاد الحقيقي على التحويلات المالية القادمة من المغتربين اللبنانيين. وقد انخفض الناتج في لبنان بنسبة 38% منذ عام 2019 مقارنةً بالنسبة المسجلة خلال الأزمة المالية التي شهدتها اليونان في عام 2009 والتي بلغت 26.3%، والأزمة المالية التي شهدتها الأرجنتين في عام 2001 والتي بلغت نسبتها 18.4%، حيث فقدت الليرة اللبنانية 98% من قيمتها منذ عام 1997. ومع ذلك، وفي ظل الحقيقة الماثلة بأن الأزمة المالية اللبنانية تبدو أكثر حدة، فإن هذا الأمر قد يجعل اتخاذ القرار السياسي أسهل، حيث يعاني مصرف لبنان، وهو المصرف المركزي اللبناني، من الإعسار”Insolvency”. فقد نشرت مجموعة من الاقتصاديين البارزين في جامعة هارفارد، دراسة بحثية بعنوان «نحو انتعاش مستدام للاقتصاد اللبناني». وأوصت هذه الدراسة بتحويل 76 مليار دولار من مطالبات المصارف التجارية الدولارية على مصرف لبنان إلى شهادات إعادة هيكلة مؤقتة. ومن شأن هذه الخطوة أن تؤدي إلى نقل الجزء الأكبر من الإعسار من البنك إلى الحكومة، حيث ستتم إعادة هيكلة الدين الحكومي. وقد يساهم استبدال الليرة بالدولار، فضلاً عن اتخاذ التدابير اللازمة لضمان كفاءة تحصيل الضرائب وتشجيع الصادرات، في تمكين الاقتصاد من النمو واستقرار الوضع المالي في لبنان. وينطوي تحول الاقتصاد رسميًا إلى استخدام عملة جديدة على ممارسة لوجستية كبيرة، حيث يجب الاتفاق على معدل التحويل وتحديد موعد نهائي، بدعم من حملة إعلامية عامة. ففي حالة اليورو، على سبيل المثال، واجه المستهلكون صعوبات في التكيف مع الأسعار المقومة حديثًا. ولكن في لبنان والأرجنتين، أصبح الدولار مستخدمًا على نطاق واسع بالفعل. وستحتاج البنوك إلى تحويل جميع الحسابات الجارية والقروض والمدخرات إلى الدولار بالسعر المتفق عليه. وسيتعين تحديث البرامج وأجهزة الصراف الآلي وتدريب الموظفين، فضلاً عن تحويل الموارد المالية الحكومية إلى الدولار. وربما يتعين استبدال الودائع الأكبر حجما بسندات بفائدة، بدلاً من استبدالها بالعملات النقدية بشكل مباشر، إذا لم تكن الدولة تمتلك القدر الكافي من الدولارات. ويجب تحديث التشريعات والوثائق ذات العنصر المالي، مثل اتفاقيات الإيجار والعقود التجارية وما إلى ذلك. وينطبق الشيء نفسه على حسابات الشركات وكشوفات المرتبات. وعلى المستوى الدولي، قد يتعين على الحكومة التنسيق مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي. وستكون هناك أيضًا حاجةً لرصد تنفيذ السياسة النقدية. ومع ذلك، بمجرد البدء في دفع الأجور بالدولار، ستتاح أمام الاقتصاد فرصةً للتعافي. والدول الأخرى التي اعتمدت الدولرة هي الإكوادور وزيمبابوي، حيث طُبقت هذه السياسة في الإكوادور خلال عام 2000 وكانت تبدو فعالة على نطاق واسع. ويرجع السبب في ذلك إلى انعدام الثقة في المؤسسات الاقتصادية. وفي زيمبابوي، وصل التضخم المفرط إلى مستويات غير مسبوقة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وأُلغيت العملة المحلية في عام 2009، واستُبدلت بالدولار. وقد أُعيد طرح العملة المحلية في عام 2019 لكن الدولار لا يزال يستخدم على نطاق واسع.