18 سبتمبر 2025

تسجيل

الفقد وأصالة الوجود

15 يناير 2020

في مثل هذا اليوم منذ سنة فقدت ابني العزيز محمد، الآباء يعتقدون أنهم سيرحلون قبل أبنائهم، لذلك كل جهدهم ينصب على ما يمكن تركه أو توريثه لهم، لكن رحيل الابن قبل الأب يترك سؤالاً عن حقيقة المستقبل وأنه قد لا يأتي، ويكشف نوراً إلى القلب يزيل كثافة الدنيا عنه وعما حوله. نحن نعيش الدنيا بين نوعين من الوجود، وجود أصيل ووجود زائف. وفاة محمد بالنسبة لي دفعتني إلى نطاق الأصالة في الوجود بعد أن كنت أعيش على ضفاف الوجود الزائف الذي يراكم الأيام ويجمع الأعوام. فجائية الحدث، وظروفه، حدية الموقف الذي عايشته، أزالت كثيرا من ضباب المواقف التي كنت أعيشها متسلحاً بأعذار التأجيل والاصطفاف بدلاً من وضوح الرأي والاتساق مع النفس، أنا مؤمن بأن حدية المواقف هي التي تكشف عن أصالة الوجود، مواجهة الموت مباشرة أو بالوكالة تجعلك تفكر وتعيش لحظتك كما يريد لك أن تعيشها، نحن نعيش المجتمع أو حياة المجتمع أكثر من عيشنا لوجودنا الحقيقي. كل إنسان يمر بمواقف حدية في حياته لكن ليس كلها من الحدية بأن تشعره أنه على التخوم، فيسقط راجعاً في حياة الابتذال العادية، وربما حينما يواجهها الإنسان بنفسه بعد ذلك يصبح الوقت قد انقضى وفات على تأكيد وجوده الأصيل الذي خلقه الله من أجله، لذلك الفقد يجعلك تعيش حياة التخوم وتتصرف بأصالة الوجود، كلنا تأثر بفقد عزيز أو قريب، هذه هي الحياة، لكن أن يفتح هذا الفقد نوراً إلى قلبك لتتحقق فيه أصالة وجودك موضوع آخر. سنة مرت وأنا أعيش وجودي الأصيل إيماناً برب عليم وبدور جديد في هذه الحياة، رحم الله ابني محمد فقد كنت أرى الدنيا من خلاله لكن رحيله أسدى إليَّ فضيلة كبرى وهي ألا أتعلق إلا بمن لا يزول ولا يغيب، كذلك أسدى إليَّ نصيحة عظمى وهي أن أعيش وجودي الأصيل وأترك الوجود الزائف الذي كنت مستغرقاً فيه، غافلاً عن طبيعة الأيام وديدن الحياة وهشاشة العيش فيها. رحلت يا بُني، وسأرحل أنا غداً، وسيرحل الآخرون، وسننضوي في بنية الزمن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. [email protected]