12 سبتمبر 2025
تسجيلأرى أن الكثير من الناس الآن يتجهون نحو التفكير بأسلوب إيجابي في التعامل مع أهدافهم الحياتية، خاصة مع كثرة الكتب والمحاضرات والدورات التي تتناول كيفية تعامل الإنسان مع أهدافه، والطرق والسبل للوصول إليها، والتي بلا شك كان لها أكبر الأثر في دفع الكثير من الناس حول التفكير بجدية للوصول لمبتغاهم. ولكن ما يغفله الكثيرون أن السبل التي يسلكونها للوصول إلى أهدافهم فيها الكثير مما لا ينتبهون إليه ولا يعيرونه اهتماما بينما هو جزء لا يتجزأ من حياتهم وأيامهم، بسبب نظرتهم الدائمة للأمام فقط. أعجبني أحد الكتاب العرب حين كتب عن نفسه بأنه يعترف بأنه كان مأخوذا بفكرة الجري وراء نيل أهدافه الحياتية وتحقيقها، وإنه بعد تحقيق الكثير منها يشعر أنه تغير كثيرا بعد أن تقدم به العمر، حين اكتشف أن الجري وراء الطموحات يتجدد ولا ينتهي، مما أدى به إلى خسارة الكثير من الأمور الحياتية الأخرى، ويقول بأنه كان يكرر في محاضراته ودوراته "إن السعادة رحلة نستمتع بتفاصيلها ونحن نسيرها، وليست وجهة نقصدها"، لكنه اكتشف أيضا بأنه فاقد لتطبيق هذه القاعدة في صعيد حياته الشخصية، وإن الزمان كان يسرق منه خفية سنوات هي الأجمل في عمر أولاده وهم يكبرون وتتشكل أحلامهم، ووجد نفسه يتشارك في بيت مع أفراد عدة هم أقرب الناس إليه ولا يعرف الكثير عنهم، ويقول أنه رغم كل نجاحاته،إلا أن كفة إخفاقاته هي التي ترجح، ويفخر بأنه الآن يسعى لحل مشاكله وإصلاح الكثير في حياته قبل فوات الأوان، وانه أدرك أنه كان مقصرا على الصعيد الأسري وها هو الآن يسعى لإصلاح ما يمكن إصلاحه.وخلال قراءتي لهذا الموضوع مرت أمامي صور كثيرة رأيتها في الواقع لأولئك الناس الذين يجرون وراء طموحاتهم، ولا ينظرون إلا للهدف،تذكرت السيدة التي ارتقت لأعلى المراتب العلمية تاركة وراءها منزلا قمة في الإهمال، وبينما هي تلقي المحاضرات والدورات التربوية هنا وهناك، بينما أبناؤها يسكنون الشارع وكمن تربيهم الطبيعة وتسقيهم.وغيرها ممن جرت وراء تحقيق أهدافها وطموحاتها، وبينما خططت وتذكرت كل السبل لتحقيق نجاحاتها، نسيت في خضم ذلك من يشاركها الحياة، ومن يعيش معها في بيت واحد، حتى انهال عليها خبر ارتباط شريكها بأخرى كالصفعة التي جعلتها تفيق من كل ما فيه وترى الحقيقة التي لم تعرها اهتماما ولم تلتفت لها حين كانت لا تنظر إلا للأمام.. ما فائدة أن نحقق ذاتنا على حساب أقرب وأحب الناس إلينا وهم الأجدر باهتمامنا، وما فائدة علمنا إن لم ننتفع به في تسيير حياتنا في مركب سعادة، وما فائدة أن نصل لأهدافنا الشخصية مخلفين وراءنا إخفاقات وآلاما لمن هم أقرب الناس إلينا ومن هم في حقيقة الأمر أهداف عظيمة تستحق أن نحافظ عليها. لنتذكر أننا مهما وصلنا من أهداف، ومهما بلغنا من نجاحات، ففي النهاية سوف نحتاج إليهم وسوف نعود إليهم.. أولئك الناس القريبون جدا حين نفرغ من كل شيء ولا نحتاج حينها إلا لوجودنا بقربهم، وشعورنا بحبهم وولائهم.