18 سبتمبر 2025

تسجيل

المجتمع الحي والمجتمع الميت

14 ديسمبر 2020

المجتمع الميت هو المجتمع غير القادر على صياغة خياراته وتطلعاته، وليس الموت قدرا هنا، ولكنه حالة من الفقد والضلال افقدت المجتمع القدرة على ادراك ذاته وامكانياته بالشكل الذي يجعل منه حركة الى الامام، حيث التطلعات والخيارات. والحراك المجتمعي حالة من تركز الوعي لدى فئات المجتمع، تكون من القوة بحيث تمتلك زمام المبادرة او على الاقل يصبح من المستحيل تجاهلها او اغفالها. فالموت بالنسبة للمجتمعات موت معنوي، وهي حالة من الضلال او تشتت الوعي وتتساوى هذه الحالة والموت المادي كونها تضعه خارج حسابات الربح والخسارة، والحراك المجتمعي ليس حالة خاصة بالمجتمعات الميتة بالمعنى الذي اشرت إليه، ولكنها ايضا هامة وضرورية بل ومتكررة بشكل دائم لدى المجتمعات المتقدمة، كذلك كحركة الشباب الفرنسي التي أسقطت ديغول عام 68، بل ان الحكومات المتعاقبة للاحزاب الحاكمة هناك من اسبابها الرئيسية الحراك المجتمعي لتلك الشعوب، لذلك وضعته في مقابل مع الموت هي حية لأنها في حراك اجتماعي مستمر ومجتمعاتنا العربية ميتة، لافتقادها الحراك الاجتماعي او لفقدها بوصلته واتجاهه. ولكن ما اسس الحراك الاجتماعي القادر على إحياء المجتمع وانتزاعه من قبره، وادراكه من ضلاله، وارشاده الى ذاته ووجوده. اولا: الوعي والادراك التام بمستوى الاوضاع دون الطموحات، وما آلت اليه الامور، وعدم الركون كثيرا للتصورات التقليدية الشائعة بأن المستقبل لابد ان يكون خيرا من الحاضر دون تدخل انساني معتبر يساهم في تحقيق ذلك سواء كانت هذه التصورات دينية او تراثية. ثانيا: تحديد الأولويات بالنسبة للحاضر وللمستقبل، ماذا يريد المجتمع اليوم وماذا يريد لأبنائه مستقبلا. ثالثا: تكوين آلية أو تصور لإيجاد الطلب الفعال بالتنازل عن خصوصيات ايديولوجية ضيقة بالنسبة للمجتمعات الحزبية او بالتنازل عن مميزات او تفضيلات خاصة في المجتمعات القبلية من اجل المستقبل ومتطلباته. رابعا: عدم السماح لجزء دون غيره او لحزب دون آخر او لطائفة دون غيرها، بالاستئثار بالحراك المجتمعي ولكنه بالضرورة حركة الاطياف جميعها كانتفاضة تونس. خامسا: كلما غلب الطابع الوطني على الحراك المجتمعي كان اكثر فاعلية واكثر املا لمستقبل افضل، بمعنى ان تكون صبغته وطنية ومطالبه وطنية بالدرجة الاولى. سادسا: ألا يتحول الى تناحر بين اطرافه لا قبل ولا بعد انجاز الهدف منه، بمعنى ان ينتقل سريعا بعد انجازاته الاولى الى حركة مدنية منظمة للمجتمع، من خلال ايجاد مؤسسات المجتمع المدني السياسية والاجتماعية، وفي مقدمتها دستور متفق عليه يحترمه الجميع وانتخابات حرة لتشكيل ارادة المجتمع. سابعا: ان تكون هناك اهداف واضحة ومحددة للحراك المجتمعي، تحققها يجعل من اعادة صياغته امرا محتملا، بمعنى انه ليس بالضرورة ان يتحول الى ثورة او اضطرابات مدمرة او فوضى عارمة. ثامنا: قد يفرز الحراك الاجتماعي قيادات مجتمعية خاصة في المجتمعات ما قبل المدنية او قد يكون نتيجة لوجودها اذا وجد المجتمع المدني وهو امر يسهل امكانية التفاوض ويساعد على صياغة الخيارات والشروط. تاسعا: يجب الا ينفصل الحراك عن المجتمع، او ممثلوه عن قاعدته، اذا ما استمر الوضع طويلا او يجري استقطابه واحتضانه بأي شكل من الاشكال. عاشرا: قد يكون الحراك المجتمعي شاملا او قد يكون محدودا كتلبية الحاجات الضرورية المعيشية سواء اقتصادية او اجتماعية وفي كلتا الحالتين هو حالة من الفاعلية المجتمعية اذا ادرك المجتمع بعضا منها قد يدركها كلها، لأن شروط الحالتين واحدة وتتمثل في الارادة والوعي وقبول التضحية او حتى طلبها. هذا ما امكن ايجازه مع ان العصر اليوم والتقدم الكبير في وسائل الاتصال فتح المجتمعات امام اقدارها ومصائرها، وجعل من موتها امرا استتثنائيا او قصيرا، مقارنة بالماضي الذي كان يتطلب عقودا من الزمن، لأن يدرك شمال الكرة الارضية ما يحدث في جنوبها. [email protected]